إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سايكس- بيكو: اتفاقية ام تواطؤ

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2013-11-04

إقرأ ايضاً


لم تكن ما يسمى «اتفاقية سايكس بيكو» كباقي الاتفاقيات عقداً بين طرفين معنيين بقضية واحدة وصاحب القضية. ففي هذه الاتفاقية كان صاحب القضية مغيبا بفعل حق القوة المسيطرة عسكرياً . وحتى الوكالة المعطاة من قبل عصبة الامم للانتداب آنذاك هي وكالة مزوّرة نتيجة لما أسمته قصور القدرة على الحكم. وهي مسألة بل جريمة فيها نظر.

فعصبة الامم تشكلت من الدول المنتصرة في الحرب. وقد اثبتت الايام والوقائع التي تلت قيامها انها منظمة فاشلة وجائرة وغير متوازنة وادّت في ما بعد الى اندلاع الحرب العالمية الثانية كنتيجة طبيعية لانحرافها عن الاهداف المعلنة التي غلًفتها. باختصار إنها منظمة باطلة وقد أبطلت نفسها بنفسها. وعليه تصبح الوكالة الصادرة عن أساس باطل باطلة حكماً لغياب التبرير القانوني التي ساقته هذه المنظمة .

وبرغم ذلك ظلت الاجراءات المتخذة من قبلها في بلادنا قائمة ومنها الوكالة عن الدول المستضعفة والضعيفة. بل أكثر وأخطر من ذلك ظلت الدول المنشأة بتدبير من أصحاب الوكالة الباطلة قائمة فعلاً على أرض الواقع رغم بطلان السند القانوني ويصبح لبنان « الكبير » مثلا دولةً بقرار صادر عن المندوب السامي الفرنسي.

إن خطورة هذه الاتفاقية ليست بأنها جزء من تاريخ دولة أو محطة في تاريخها كما هو الحال في «معاهدة فرسايّ» كمرحلة من تاريخ الصراع الالماني الفرنسي أو اتفاقيات تعالج العلاقات بين دولتين على المستويات السياسية والعسكرية وحتى التجارية وأنها ليست كالاتفاقيات الجماعية الصادرة عن الامم المتحدة التي تلزم فقط الموقّعين عليها. فهنا الطرف المعني الاول صاحب الحق غير موقع عليها ولم يؤخذ برأيه بتاتا. بل الخطورة تكمن بأنها أسّست لتاريخ جديد مبني على مصالح غير اصحاب الحق والارض.وهو ما نشهد نتائجه اليوم في هذه المنطقة.

لقد أرست هذه الاتفاقية نوعاً من الادراك الخاطىء لمفهوم الدولة والشعب والوطن بحيث عززت قناعات البعض بأن مجموعة من الطقوس الطائفية والعادات والتقاليد تشكل ثقافة أمة وأن بعض الامتيازات الاقتصادية تعطي مشروعية دولة وبالتالي من كان خارج هذه «الثقافة» المزيفة وخارج نطاق الامتياز الاقتصادي هو بالمطلق ليس منّا واستطرادا هو معادي بالمعنى « القومي» أو « الوطني».

لقد طاولت اتفاقية سايكس- بيكو كل سورية الطبيعة وتقاسمت فرنسا وبريطانيا الجبنة. غير ان هذه الاتفاقية لم تصبح واقعاً كما خُطّط لها آنذاك وإنما رفضت من قبل البعض في الشام. ولم تنشأ «دولة حلب» وكذلك « دولة الدروز» في جبل العرب و«الدولة العلوية» في شمال غرب سورية. وإنما قامت الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين رداّ على التقسيم وبقيت الشام دولة واحدة بعدما خرج لبنان على قاعدة التمايز الطائفي وخرجت فلسطين والاردن والعراق بفعل الدور الانكليزي الذكي الذي استطاع تجنيد بعض النافذين حتى في مناطق النفوذ الفرنسي تمهيدا لترسيخ التقسيم. فبينما قيض للشام رجال دافعوا عن الوحدة والاستقلال تصارع أصحاب الشأن في الكيان اللبناني على قاعدة التبعية أما لفرنسا أمثال اميل إده وآل الجميل وآل جنبلاط والكتلة الوطنية أو التبعية للانكليز امثال بشارة الخوري ورياض الصلح وكميل شمعون وجمهور الكتلة الدستورية. أما في فلسطين التي عانت الامرّين من الاحتلال الانكليزي وبرغم الثورات المتعددة كان «وعد بلفور» قد أخذ طريقه الى التنفيذ بعد ان تركت وحيدة بعيدة عن أمها الحقيقية سورية.

بعد مرور ما يقارب مئة عام يبدو أننا قد صدّقّنا الكذبة التي اسمها سايكس- بيكو وعملنا بموجبها بينما الغرب الذي أوجد هذه الكذبة لم يرتح لنتائجها فجاء الاستدمار وليس الاستعمار بنسخته الجديدة الممثلة بالولايات المتحدة الاميركية ليعيد صياغة الجغرافية على أسس جديدة تتلاءم مع مصالحه هو وليس مصالح أوروبا البائدة. فهل نشهد اتفاقية جديدة ؟ أم يخرج شعبنا معيداً الحق لاصحابه ؟

إنه التاريخ يرتسم من جديد.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024