إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

انقلاب الفوضى الخلّاقة إلى مشروع ضبابي

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2014-08-25

إقرأ ايضاً


يشكل تسارع الأحداث وتشابكها منعطفاً كبيراً على مستوى المنطقة الممتدة من ضفاف بحر قزوين إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. هذه المنطقة التي تُعتبر قلب مشروع «الشرق الأوسط الكبير» بحسب التسمية الأميركية، والذي نعتبره نحن قلب العالم الحقيقي، لما يملك من ميزات في الموقع والثروة والقدرة الدينامية ـ إذا ما توحّد ـ على إعادة رسم معالم مركزية الصراع، وبالتالي صوغ شكل النظام العالمي المقبل، على ضوء النتائج المنتظرة التي ستسفر عنها هذه المرحلة.

بعد سقوط التجربة الأميركية الأولى، الهادفة إلى إخضاع هذه المنطقة بالقوة العسكرية المباشرة من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين، وتحوّل الإدارة الأميركية إلى خطة الفوضى الخلاقة كصيغة تنفيذية للحرب الناعمة بما تحمل من استهدافات بعيدة المدى على المستوى الوجودي للكيانات السياسية التي خلقتها معاهدة سايكس-بيكو يبدو أن المشهد الحالي يسير باتجاه انفلات الضوابط التي وضعتها الإدارة الأميركية تحت تأثير عاملين مهمين: العامل الأول، هو ظهور مقاومة عسكرية كبيرة وقوية على المستوى المحلي، ومقاومة سياسية على امتداد العالم، محور مقاومة يستند إلى وعي كامل لحدود مشروع النهب الأميركي وخطورته على مستقبل الشعوب في المنطقة والعالم. والعامل الثاني، هو تراجع القدرة الأميركية على استيعاب المصالح المتناقضة للدول المنضوية تحت لوائها. ولعل أبرز هذه التناقضات هو الموقف الأوروبي من الإرهاب المصنّع أميركياً كأداة فاعلة في نشر الفوضى، وفي الوقت نفسه، الخوف من هذا الإرهاب الذي يبدو أنه بدأ يدق أبواب أوروبا ذاتها. فأوروبا أمام مأزق مساندة دعم الجماعات المسلحة حيناً ومحاربتها حيناً آخر. وهو ما ينسحب على الإدارة الأميركية نفسها. فهي مع داعش في مواجهة الدولة في سورية والعراق، وضده عندما تقترب من مصالحها في أربيل. أضف إلى ذلك الصراع الجدي داخل محور النهب الأميركي بين الخط التركي ـ القطري من جهة والخط السعودي ومجلس التعاون الخليجي والذي قد تظهر نتائجه خلال أيام بعد اجتماع مجلس التعاون الخليجي المصمم على وضع حد للدور القطري ـ لتركي وبالتالي دور الإخوان المسلمين من جهة أخرى، وهو ما سينعكس حكماً على الوضع الأمني في مصر، وربما يؤدي إلى خلط الأوراق من جديد. أيضاً وأيضاً من الممكن وبوضوح ملاحظة التخبط في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، بعد الصمود الرائع للمقاومة في غزة وعدم رضوخ هذه المقاومة للشروط «الإسرائيلية». وهنا يجب التنويه إلى أن الولايات المتحدة وللمرة الأولى، لم تستطع تغيير نتائج الحرب من انكسار عسكري إلى انتصار سياسي، باستنادها إلى مجموعة الدول العربية المتواطئة معها والتي كانت تلعب ظاهرياً دور الوسيط.

لا شك في أن صمود سورية السياسي والعسكري والشعبي. وإلى حد ما الموقف الشجاع الذي أخذه المالكي بالتخلي عن السلطة في العراق الذي ساهم في سحب الذرائع من الوصول إلى اقتتال عراقي داخلي. وبسالة المقاومة الفلسطينية في غزة وثباتها على الموقف الموحد بين فصائلها في المفاوضات. إضافة إلى التناقضات على الجبهة المقابلة، أجبر الولايات المتحدة الأميركية على مراجعة حساباتها من جديد.

في الوقت نفسه، تبدو المحاولات الأميركية باستنزاف روسيا على المقلب الأوكراني، اصطدمت بتصميم بوتين على إعادة الدور الروسي كاملاً، متجاهلاً التهديدات الغربية بفرض عقوبات اقتصادية، بل على العكس لجأت روسيا إلى وضع لائحة عقوبات مضادة على أساس المعاملة بالمثل. إن هروب الولايات المتحدة إلى الأمام في محاولة الضغط على الموقف الروسي في أوكرانيا قد يضعها في مأزق آخر، من خلال دعمها لحركات شوفينية متمثلة بالنازية الجديدة، لا تقل خطورة عن حركات داعش وأخواته. فلعب الولايات المتحدة بالنار عبر داعش وعبر النازية الجديدة سيؤدي حكماً إلى احتراق محاصيلها السابقة وربما امتد الحريق إلى بيتها الداخلي، وها هي بوادره في «ميسوري» وبالأمس القريب في «وول ستريت».

واشنطن بعد لندن في الضباب الإمبراطوري.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024