إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فكر سعاده هو الحلّ لبنان بلد «فريد»... ولكن إلى متى؟

علي البقاعي - البناء

نسخة للطباعة 2012-07-06

إقرأ ايضاً


بلد فريد من نوعه، ليس له مثيل على وجه الكرة الأرضية. ينخره سوس الطائفية من النهر الكبير حتى الناقورة ومن نقطة المصنع حتى شواطئ بحر بيروت، بما فيها قطعة اليابسة الجديدة التي ردمتها شركة «سوليدير» على شاطئ الزيتونة.

وطن تغلغلت الطائفية في مدنه وقراه، في تركيبة أحزابه وتياراته السياسية، وفي جمعياته الرياضية والثقافية والاجتماعية وجامعاته ومدارسه، وفي مراكزه الصحية ومؤسساته الأمنية، ولا ننسى مجلسه النيابي ووزاراته.

بلد تتعطّل فيه التعيينات الديبلوماسية منذ أكثر من أربع سنوات ويحال الكثير من سفرائه وديبلوماسييه على التقاعد، وتعاني سفاراته وقنصلياته في الخارج نقصاً في كادرها بسبب الصراع على الحصص والخوف من انتقاص حقّ طائفة من الطوائف. بلد يتعطّل فيه القضاء إذا استقال قاض أو بلغ السن القانونية، وإذا انتهت مدة خدمة قائد وحدة عسكرية تتحوّل قضية تعيين البديل إلى أزمة طائفية. وإذا أقيل موظف كبير احتاج الأمر إلى استشارات نيابية وحزبية ومؤتمرات محلّية ومهرجانات تضامنية ويافطات تندد بهذا العمل التعسّفي، بعد أن يكون هذا الموظف الكبير انتفخت جيوبه وحساباته المصرفية وحسابات زوجته وأقربائه وجيرانه بأموال الدولة التي حصل عليها بفضل «شطارته» في وظيفته.

بلد إذا أضرب أصحاب «الفانات» وسيارات النقل العمومي أو المعلمون وأساتذة الجامعات مطالبين بحقوقهم تصبح المطالب طائفية، وإذا تحرّك موظّفو كازينو لبنان لأجل إنصافهم في العمل تتحول المشكلة طائفية. وإذا طالب عمّال بحقوقهم الوظيفية وتثبيتهم في شركة حكومية يعملون (من كل الطوائف) أُجراء مياومين فيها منذ أكثر من 15 عاماً تصبح المشكلة طائفية فينقسم مجلس النواب وتصبح المسألة تهديداً للتوزيع الديمغرافي وخطراً على الأمن القومي فيتعطّل العمل الحكومي والتشريعي وتنقسم التجمّعات «الآذارية» على نفسها ويعود كلٌّ إلى متراسه الطائفي لحماية ما يسميه مصالح الطائفة المهدورة. بلد أصبحت بعض وزاراته ملكاً لطوائف معينة يعتبر المطالبة بتبادلها تعدّياً على حقوق الطائفة. وزارات موظفوها من أعلى الرتب إلى الحُجَّاب من الطائفة ذاتها والويل لمن يحاول أو يتمنّى وظيفة في إحدى هذه الوزارات من طائفة أو ملّة أخرى.

بلد إذا اختلف شخصان في ملهى ليلي وأطلق أحدهم النار في الشارع تتحوّل القضية إلى أزمة طائفية. إذا خرج أحدهم من منزله غاضباً من زوجته أو صديقته ولم يعد حتى آخر الليل يتحوّل غيابه مشكلة طائفية. وإذا تضارب ولدان في مدرسة إبتدائية في إحدى القرى يتحوّل الشجار مباشرة إلى أزمة طائفية تعتبر خرقاً لميثاق العيش المشترك فتستنفر مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والحزبية وزعامات الأحياء والحارات والزواريب لقطع دابر الفتنة في مهدها، ولولا حكمة العقلاء لأودت هذه المشكلة إلى ما لا تحمد عقباه.

بلد يُصنَّف فيه العملاء والخونة وخاطفو الرهائن وتجّار المخدّرات والمجرمون والنصّابون وسارقو السيارات وأموال الدولة على أساس طائفي ويكاد بعضهم يصبح بطلاً وطنياً!

بلد أصبحت بعض مؤسساته الإعلامية مصدراً للفتنة، إن لم تكن مركزها، وتنضح تلفزيوناته وإذاعاته بالطائفية في نشراتها الإخبارية، بقصد أو بغير قصد، فيتحوّل خلاف بين قبضايات الأحياء معركة طائفية وتصبح جريمة يرتكبها شاب مريض نفسياً جريمة طائفية، ويتحوّل حوار سياسي مباشر على الشاشة بين ممثلين للشعب إلى عراك طائفي. ولا تكتفي هذه المحطات بذلك بل يستضيف بعضها أشخاصاً طائفيين تحت عناوين طائفية، وتعابير طائفية في التحليل ومقدمة النشرات الإخبارية. بلد تنضح مقالات الكثيرين من كتاب صُحفه بلغة طائفية وعنصرية بغيضة.

بلد مناهج بعض مدارسه طائفية وتدريسها للتاريخ وتعيين المدرسين ولباس التلاميذ وحفلات التخرج فيها على أساس طائفي. بلد أصبح التملّك في بعض قراه ومدنه ذا بعد طائفي والتنقّل في أرجائه تهديد للطوائف وزيادة طبقة أو بناء بيت على تلة مرتفعة مشكلة طائفية. بلد يصبح فيه الحبّ أو الزواج من شخص من طائفة أخرى تهديداً بفتنة طائفية تتطلّب تدخّل قيادة الجيش ومجلس النواب والمجلس الشرعيّ ومجلس المطارنة.

هل هذا هو لبنان الذي نحلم به؟ هل هذا هو الوطن المثالي، «قطعة سما» كما يقول وديع الصافي و«حبّة من ترابك بكنوز الدني» كما تغنّي فيروز؟ هل هذا هو الوطن الذي نريد لأجيالنا القادمة أن تنشأ وتحيا فيه؟ أم أي لبنان نريد؟

أنطون سعاده، مؤسس النهضة القومية الاجتماعية، وضع الحلّ لكل مآسي لبنان والأمة السورية قبل نحو قرن من الزمن في مبادئ كانت ولا تزال العلاج الوحيد لمشاكل الأمة الطائفية والكيانية والعرقية والفلسفية.

تم اغتيال أنطون سعاده يوم الثامن من تموز عام 1949 على رمل بيروت بيد غادرة آثمة لهذا السبب، لكنه ترك خلفه مؤسسة لتسير بهديه وتطبّق مبادئه، مطبقة قوله قبل استشهاده: «أنا أموت أما حزبي فباقٍ».

هذا هو حزب سعاده، إنه الحزب السوري القومي الاجتماعي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024