إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

انتصار ما بعد الانتصار

نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2013-11-19

إقرأ ايضاً


بعدما حققت سورية انتصارها الاستراتيجي على المؤامرة الصهيو ـ أميركية وبعدما أثبتت سورية شعباً وجيشاً وقيادة أنها سورية التي عرفها التاريخ سورية التي تتنكّب مسؤولياتها القومية بعيداً عن أيّ حسابات ضيقة.

تحصّل الانتصار التاريخي الذي جعل من سورية رقماً قومياً في معادلة النظام الدولي العتيد الذي يتمّ إخراجه للعالم.

بقيت سورية واحدة في أرضها في مواجهة مؤامرة تقسيمها وبقيت واحدة في شعبها في مواجهة مؤامرة تفسيخها طوائف ومذاهب وإتنيات وبقيت واحدة في دولتها وهذا جوهر انتصارها على المؤامرة الصهيو ـ أميركية.

ثمة بعد هذا الانتصار انتصار ينتظر تحققه إذ أرسى الانتصار الأول قواعد الدور القومي الكامل والدور الإقليمي والدولي المستند إلى التشابك الاستراتيجي مع تكتل دولي ناهض نجح في فرض نفسه على المرجعية الأحادية الدولية التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية.

عبقرية الجغرافيا القومية معطى فاعل في أيّ استراتيجية تضعها السياسة القومية إلاّ أن فعلها مشروط بثبات العامل الوحدوي في المعنى السياسي ـ الاستراتيجي.

إن الأمة والعالم العربي ينظران إلى اللحظة التي تُرسي فيها الدولة في الشام رؤية تشمل المشرق كلّه ليكون الفضاء الذي تتحرّك في ظله جميع السياسات من اقتصادية ومالية وأمنية وعسكرية وبيئية. أن يكون لكل قرار دمشقي بعد استراتيجي لكي يُترجم هذا الانتصار الفاصل في مسار تاريخنا الحديث.

تمزيق المجتمع لتمزيق الجغرافيا وتمزيق الجغرافيا لتمزيق المجتمع سياسة استراتيجية ثابتة لأعداء وجودنا.

تقدم الجغرافيا بعبقرية فائقة معطيات الوجود القومي الناهض وتعطي إشارات وعلامات وحدوية هي أساس لعمل قومي عام فيه من العبقرية ما لا يقلّ عن عبقرية الجغرافيا.

بعد هذا الانتصار أصبح محرّماً بالمعنى القومي والوجودي أن يكون لنا في ما يتعلق بوجودنا سياسات بل سياسة واحدة منسّقة وألاّ تكون لدينا خطط تنموية على قياس سجون سايكس ـ بيكو بل خطط للتنمية توضع على قياس الأمّة وأرضها.

محرّم أيضاً أن يكون انتصارنا يتيماً. هذا الانتصار له أب وأم هما في ما سيليه من نزوع وحدوي تنسيقي أسوة بما سبقتنا إليه أمم كثيرة أدركت أن وجودها وحريتها وحماية ثرواتها لا تكون إلاّ باجتماع القوى.

ما كان قبل الانتصار حالة منتوجة من سايكس ـ بيكو أما ما بعده فينبغي أن تكون حالة مصنوعة من مادة هذا الانتصار ذاته.

ما قبل الانتصار أشلاء متلاصقة بل متجاورة ما بعدها جسم تامّ طبيعيّ.

ما قبل الانتصار حالة من الضعف المتناثر ما بعده حالة من القوة.

جمع ضعيف إلى ضعيف لا ينتج قوة بل ينتج ضعفاً مضاعفاً.

الانتصار سلّمنا مفاتيح السد الذي كان مقفلاً في وجه عقلنا وقلبنا ومستقبلنا وقوتنا ولم يبق إلاّ أن يفعل المفتاح فعله وتنشقّ السدود.

الانتصار جعلنا رقماً في معادلة دولية منتصرة ولم يبق إلاّ أن نفعّل هذا الرقم أكثر بجعله ذا بعد مشرقي جامع.

الانتصار فتح دروب الشرق حتى صرنا نشمّ أريج بغداد في بيروت مضمّخاً بياسمين الشام.

الانتصار جعلنا نتماثل مع الفرات في وحدة مجراه واتجاهه وغايته.

الانتصار هو شاميّ المكان قوميّ المدى شاميّ القيادة قوميّ الفعل.

إذا لم يؤدّ انتصارنا إلى جعل الأشلاء جسماً سويّاً والضعف المتناثر قوة وازنة والمستقبل المبهم درباً نحو الشمس سوف يبقى انتصاراً مبدئياً. والانتصار الحقيقي هو النهائيّ.

لقد أحدث هذا الانتصار المبارك فرزاً كان يجب أن يحصل منذ مدة فرزاً حدّد بوضوح ما هي قوى الحياة قوى الحقّ القوميّ قوى وحدة الأرض والشعب والدولة قوى تحرير الأرض المغتصبة وما هي القوى التي ما توقّفت يوماً عن التعامل مع عدوّ الحق والأرض والدين.

ها هي المحاور عادت لترتسم على الأرض. ولسوف نشهد في القريب العاجل كيف سترّد اليهودية العالمية على انتصارنا وها قد بدأت. لقد بدأت بتوظيف العقلية البدوية العقلية التي ما أدركت ولا أظنّها قادرة على إدراك معنى الانتماء القوميّ والشرف القوميّ. بداوة غارقة في كيودها الشخصية وغرورها الفارغ. ها هي الصهيونية في قلب المملكة العربية السعودية. ليست حاضرة بشكل عرضي إنّما بشكل أشدّ خطورة. حاضرة عبر مشروع استطاعت أن توظّف فيه البداوة وما تملك في خطة خبيثة عنوانها العداء المشترك لإيران.

يقدّم إليها بندر الآثم أجواء المملكة والتمويل والسلاح إرضاء لكيد شخصي وصبيانية سياسية فيما «إسرائيل» تستغلّ عنوان العداء لإيران لتجعل من المنطقة الممتدة من البحر المتوسط حتى شواطئ الخليج انفتاحاً جيوسياسياً لها تعرف تماماً كيف توظّفه وتستغلّه.

إننا الآن في وضع يشبه الوضع الذي قام بعد العدوان الثلاثي على مصر حين انشطر العالم العربي بين مَن هو في صف التحرّر العربي ومَن هو في صف التخلّف العربي.

أمام الانتصار الكبير تحدّ كبير ينتصر على التحدي باختزان البعد المشرقي في ترجمته سياسة واقتصاداً وثقافة وتنمية وفي النواحي كلها وعلى الصعد كافة.

القلب الذي كان لينبض سوف يبقى القلب النابض أبداً له وللجسم القومي والعالم كلّه.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024