إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

فعل جرميٌّ للمجهول

نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2014-12-09

إقرأ ايضاً


أصْبحَ جزءاً من ثقافتنا في لبنان أن نقف عند نتائج الفعل، وتصبح هذه النتائج هي الفعل الأساس، نبني عليه، ونغرق في تداعياته، في وقت يغيب عنا أساس الفعل الذي من دون الوقوف عليه لا يمكن اجتراح الحلول وإنهاء الأزمات.

هذا النهج ليس عفوياً على الإطلاق، بل هو جزء أساسيّ من العدوان علينا كدولة ومجتمع، يُغَيّب الفعل ويغيّب الفاعل، وتبرز التداعيات والنتائج، ونروح جميعاً نخبط ضبط عشواء بعبثية بائسة، أقل نتائجها فوضى وتصدّع وتغطية للجريمة وصنّاعها.

ما يظهر للرأي العام الآن في موضوع الأسرى من القوى الأمنية اللبنانية هو تداعيات الجرم. هو نتيجة، حالة استكمال الإجراءات التنفيذية للجريمة.

إن الجريمة المفعولة للمجهول هي جريمة تسليم شبابنا من القوى المسلحة إلى الإرهابيين في عرسال، في حين كانت عرسال مطوقة من الجيش اللبناني، وكان المنطق يقضي بأن يسلّم الإرهابيون أنفسهم إلى الجيش والقوى المسلحة اللبنانية، لا أن يُسلّم عدد من القوات المسلحة الإرهابيين.

حصلت الجريمة، ولكن لا الجريمة كشف عنها وعن تفاصيلها، ولا المسؤولون عنها كشف عنهم أيضاً.

جريمة خلقت كارثة وطنية أذلّت وطناً بأسره، وشعباً بأكمله، ودولة برمتها. جريمة لم تؤد فحسب إلى خطف عسكريين من القوى الأمنية اللبنانية، بل أدت إلى خطف وطن وشعب وحولتهما ألعوبة بأيدي الإرهابيين، يهدّدون ويتوعّدون ويقتلون ويذبحون، والدولة عاجزة لا حول لها ولا قوة.

ثمة سؤال يطرح نفسه هو: كيف تمّ للإرهابيين أن يأسروا هذا العدد الكبير من القوى الأمنية؟! أليس وراء ذلك غايات أبعد بكثير من تكتيك عسكري هنا وهناك.

هل تم ذلك من دون قرار سياسي؟ ومَن هو المرجع الذي ضغط بهذا الاتجاه ولماذا؟

إذا كان ما حصل هو نتيجة خطأ تكتيكي عسكري فمن حق الشعب اللبناني وذوي العسكريين المخطوفين أن تُحدّد الجهات العسكرية المسؤولة هذا الخطأ.

أما إذا كان ما حصل هو نتيجة قرار سياسي يقضي بتسليم الإرهابيين إلى عناصر قوى الأمن والجيش كي يبقى هؤلاء الإرهابيون متمكنين من ابتزاز الدولة اللبنانية، ما يمكنهم من الاستمرار في استنزاف الدولة السورية أيضاً، فمن حقنا أن نتساءل، بل من واجبنا أن نفعل، لأن تداعيات ما حصل لن تقف عند حدود خسارة عدد من أفراد القوى الأمنية، بل ستتعدى ذلك إلى تصدّعات لا تحمد عقباها على الإطلاق، وبالتالي ينبغي تحديد هذا القرار السياسي وجهته.

لا أفهم لماذا لم يطلب ذوو العسكريين المخطوفين حتى اليوم تفسيراً عن كيفية أسر أبنائهم من داخل عرسال؟

لماذا لم يسألوا عن المجرم الأول الذي ارتكب الجريمة الأصل؟

لماذا يسمحون للغير بإغراقهم في تداعيات الجريمة ـ الأصل فيحولونهم إلى أداة طيعة للإرهابيين، وهم يهدّدون بقتل أبنائهم، فيتحركون بقطع الطرقات والضغط على الحكومة لإطلاق الموقوفين الإرهابيين في السجون اللبنانية طلباً لنجاة أبنائهم.

أهلنا، ذوو العسكريين، رمتهم الجريمة الأصل بنار المحنة، فهم يتمزّقون بين الحرص على حياة أبنائهم من ناحية، وضرورة إنزال العقاب بكل إرهابي اعتدى على الوطن والشعب.

المطلوب ليس من ذوي العسكريين، هؤلاء مصيبتهم تكفيهم. المطلوب هو من الشعب اللبناني بكامل فئاته أن يُصرّ على كشف الجريمة الأصلية والفاعل لها، وإن كان مطلب كشف ذلك ينبغي أن يكون في رأس مطالب أهلنا من ذوي العسكريين.

هل أن إخفاء الجريمة وفاعلها حتى الآن أمرٌ عفويٌ وبسيط؟

كلا بالطبع، إن هذا الإخفاء هو جزء من الحرب المعلنة على لبنان من قبل الجهات المعتدية، «دواعش» وغير «دواعش»، إقليميين أو دوليين.

ما حصل خطير جداً على لبنان والأمن فيه. ماذا يعني أن يُسلّم عدد من أفراد قواتنا المسلحة إلى إرهابيين يتقنون الابتزاز ويعرفون حقيقة تركيب السلطة اللبنانية، وهم لن يتوقفوا عن زعزعة هذه الدولة والاستمرار في إذلالها وإذلال لبنان بأسره؟ المسألة في حقيقتها ليست في ذبح العسكريين أو إطلاق الإرهابيين. هذه معادلة فرضها الإرهابيون بفعل الجريمة ـــ الأصل، جريمة تسليم العسكريين، إنما المسألة هي في كيف نحرّر أبناءنا من قبضة الإرهابيين من دون أن نسمح لهم بالتلاعب بنا وتوجيه البوصلة الوطنية مثلما يريدون، فلو تمكنوا من فرض معادلتهم نكون قد خضعنا جميعاً لمسار قادم سوف يحددون نطاقه ومضمونه. وهذا سيجعلنا ندفع الثمن الباهظ، ثمناً بحجم تفكك منطقة بأسرها، وكل ذلك على وقع أداء سياسي بائس قائم على حسابات ضيقة، وأخرى تتناغم مع مسارات خارجية هي عينها مَن ارتكب الجريمة الأصلية، وهي عينها من لا يزال حتى الساعة يتمنّع عن استعمال أوراق القوة الموجودة في أيدي الدولة اللبنانية، وهي كثيرة.

لنتصوّر لو أن الإرهابيين خرجوا من عرسال من دون الأسرى ـــ حتى هذا الخيار لا يجوز أن يحصل أساساً ـــ ولكن لنفترض أنه حصل، كيف سيكون واقع الإرهابيين في الجرود؟ ألم يكن قتالهم في هذه الحالة أمراً ممكناً والانتصار عليهم كذلك؟ إذن لمصحلة مَنْ يدعّم موقف هؤلاء؟ أليس لمصلحة هذه الغزوة التدميرية التي تضرب في عمق نسيجنا الاجتماعي، وعمق أسس قيام وجودنا القومي؟

هذه الجريمة توضح بما لا يقبل الشك مدى تورط مجموعات وجهات لبنانية في مسار الحرب على لبنان، وكيف يخطط لجعل الساحة اللبنانية ساحة ترفد هذه الحرب عبر تفجير العلاقات الحياتية القائمة بين اللبنانيين وتوزيعهم مع المذاهب مقدمة لإشعال الحرب بينهم، بغية توظيف ذلك كلّه لتطبيق استراتيجية «إسرائيل» بتفجير المنطقة تسهيلاً لقيام «إسرائيل الكبرى»، وهنا يندرج جوهر وسر تسليم هؤلاء الشبّان إلى الإرهابيين تمكيناً لهم من الاستمرار في ضرب الدولة السورية وضرب النسيج اللبناني وإشعال الحرب المذهبية فيه.

أليس التنسيق والدعم اللذان يقدّمهما اليهود إلى جبهة النصرة في الجولان دليلاً على عمق الترابط بين اليهودية العالمية وهؤلاء الإرهابيين!

دائماً… دائماً… فلنفتش عن اليهود.

هم في خلفيّة كل ما يجري.

وإلى أن يكشف عن الجريمة الحقيقية، وعن المجرم الحقيقي سنبقى ندور هذا الدوران العبثي الدامي المروع المدمر… وسيبقى اليهودي يقهقه وهو على قمة جبل الشيخ، قهقهة المنتصر المشرف من تلك الشرفة، يسخر من غبائنا بقدر ما يفرح به… لأنه الحليف الحقيقي له.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024