إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سورية والانتصار المُضاعَف

نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2014-03-11

إقرأ ايضاً


أرادها التحالف الصهيو ـ أميركي حقْل ألغام يتفجر بين أقدام العملاق الروسي، وسارت القارة الأوروبيّة العجوز كحيزبون لا حوْل ولا قوة وراء ما أراده ذلك التحالف، وعبّر برنار هنري ليفي، «فيلسوف» اليهودية التدميري خير تعبير عن أهداف ما أريد له أن يكون في أوكرانيا.

تفخيخ العتبة الروسية، بتنشيط الفئات المتطرّفة والنازية واللعب على وتر التحرّر من الحضور الروسي في أوكرانيا، استطاعت السياسة الروسية تفكيكه بتفكيك العتبة نفسها وحصر الحراك المعادي في الجيب الغربي من أوكرانيا، ذاك الجيب الذي لا يحتوي على أيّ قيمة استراتيجية سواء على المستوى العسكري أو على المستوى الاقتصادي.

قيمة أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا، أنها القصبة الهوائية التي تتصل بالرئة البحر الأسود ، الرئة الاقتصادية والعسكرية ورئة التواصل مع الجنوب الذي أوصى الاسكندر الأكبر خلفاءه بالوجود فيه قائلاً: مَن يسيطر على الجنوب يسيطر على العالم.

ردّ بوتين وبسرعة قياسية على مؤامرة خنقه، بأن أخرج إلى العالم مشهداً أوكرانياً مختلفاً، إذ تحرك أوكرانيّو الشرق مطالبين سيّد الكرملين بحمايتهم، وكذلك فعلت حكومة إقليم القرم، مطالبة بالاجتماع بالانضمام إلى روسيا.

ماذا يعني ذلك؟ إنّه يعني أنّ التحرك الصهيو ـ أميركي أُفرغ من مضمونه، وأن المصالح الروسية الاستراتيجية في الأمن والاقتصاد والتواصل مع الجنوب هي في مأمن.

لكن...

ثمة تساؤل: هل ستوظّف الحالة الأوكرانية كذريعة للتحالف المشار إليه بالعمل على الاستغناء عن الغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا، بالغاز السعودي والقطري عبر أنابيب تنقل الغاز من حقوله في السعودية وقطر عبر الأردن إلى شواطئ فلسطين المحتلة، بعدما استحال استجراره عبر الأراضي السورية بفعل رفض القيادة السورية لذلك منذ عام 2000.

هل أن المعنى الذي أفرغ بواسطة الردّ الروسي في أوكرانيا وجدوا له مكاناً على شواطئ فلسطين المحتلّة؟

من الخطأ الاعتقاد أن ما يحصل منذ احتلال العراق في نيسان 2003، حتى اليوم، هو كناية عن أفعال وحوادث متقاطعة، على نسق الكلمات المتقاطعة.

ما يحصل هو نص صهيو ـ أميركي متكامل في مبناه ومعناه، يقرأه صهاينة عرب وظّفوا ثروات بلادهم لتنفيذ النص المذكور، بدءاً من العراق ومروراً بحرب تموز واغتيال الرئيس الحريري وحصار سورية، وليس انتهاء بما يُسمى فجوراً «الربيع العربي».

الدليل على صحة ما نقول، ما أقدم عليه معظم عرب الجامعة العربية، من إسقاط لعضوية سورية فيها، وهي دولة مؤسّسة، إلى ضخ الإمكانات المالية والتسليحية والاستخبارية والبشرية كافة لتخريب سورية يرجى العودة إلى تصريح كوفي أنان لمجلة «دي بريسة» النمساوية، والذي أعلن عبره، أن السعودية وقطر وتركيا غذّت المعارضة السورية بالمال والسلاح»، وفي الوقت عينه، ظهر التحالف القطري ـ السعودي مع «إسرائيل» وأصبح خط تل أبيب ـ عمان ـ الرياض ـ الدوحة سالكاً.

النصّ الصهيو ـ أميركي، ذو منافع استراتيجية متعاظمة للعدو اليهوديّ بالدرجة الأولى، ذلك أنّه لا يكتفي بدمجه في نسيج العالم العربي، بل يشترط تدمير آخر قلعة قوميّة في العالم العربي، لأنّه يضمن بذلك المكسبين الاستراتيجيين الكبيرين:

أولاً: فتح الطريق أمامه من البحر المتوسط إلى شواطئ الخليج بعد تدمير الدولة القومية في سورية.

ثانياً: هيمنته على ثروات المنطقة، بالوكالة عن الأميركيين بعد تموقعهم في المحيط الهادئ في مواجهة الصين.

إن تفخيخ العتبة الورسية والقبض على القصبة الهوائية لموسكو، وتدمير الدولة السورية، مهمة واحدة للتحالف الصهيو ـ أميركي، وبالتالي فإنّ مواجهتها أيضاً واحدة، ذلك أن نصر روسيا على التحالف الصهيو ـ أميركي في أوكرانيا هو انتصار سوري في أوكرانيا، وكذلك انتصار سورية على التحالف الصهيو ـ أميركي في سورية هو انتصار روسي في سورية.

وفي النتيجة، يمكننا القول بأن الحرب العالمية الاقتصادية بدأت، مصحوبة بحرب إعلامية أكثر شراسة، وإن تكن الحرب العالمية العسكرية لم تتوافر شروط اندلاعها بعد.

الغرب يبدو مربكاً إزاء ما أقدم عليه في أوكرانيا، فهو أرادها لعبة تكتيكية مؤذية تبقى تحت السيطرة، فردّ بوتين بلعبة استراتيجية لا قدرة الغرب على تحمّلها، وأمامه بالتالي خياران:

الأول: أن يقبل التحدي الروسي ويصعّد لعبته مع روسيا من مستوى التكتيك إلى الاستراتيجيا، وهذا غير متوافر له لأنّه أساساً في غير وارد الحروب المباشرة، أمّا الحروب غير المباشرة مع روسيا فستكون روسيا فيها هي المنتصرة.

أوروبا العجوز، القريبة والملاصقة للنار الأوكرانية، بدأت تتحسس أخطار تدحرج الأزمة الأوكرانية، وهي في الأساس جزء من الحرب غير المباشرة.

الثاني: البحث عن حلّ سياسيّ يبقي للغرب بعض ماء الوجه، وهذا ما أقدم عليه جون كيري وزير الخارجية الأميركيّة حينما التقى نظيره الروسي وصرّح بأن «افكاراً جديدة» طرحت وتتمحور كلها حول العثور على صيغة تسوية سياسية.

حينما يتراجع الخصم عن لعبة دكّ العتبة إلى الحوار مع أصحاب البيت والبحث عن حلول سياسية، فإنّ ذلك يعني بالتأكيد انتصار المصالح الاستراتيجية الروسية، وبمعنى استطرادي، انتصار سورية في أوكرانيا.

إلاّ أننا نميل، وبالاستناد إلى المعطيات القائمة، إلى الاعتقاد بأن مشروع الغاز السعودي ـ القطري الهادف إلى بلوغ شواطئ فلسطين المحتلة، سيكون موضوعاً على نار حامية، فهو ضرورة للاستمرار في تطويق روسيا سياسياً واقتصادياً.

هذا المشهد السعودي ـ القطري ـ «الإسرائيلي»، ليس مستبعداً، في ظلّ انشطار العالم العربي إلى محورين:

الأوّل: وطنيّ قوميّ تحرريّ بقيادة سورية.

الثاني: تبعيّ ـ رجعيّ ـ بقيادة السعودية.

وفي الأحوال كافة، إن السعي إلى حرمان سورية من انتصار لها في سورية سقط بحصول سورية على انتصارين، الأول في سورية والثاني في أوكرانيا.

مبروك لسورية انتصارها المضاعَف.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024