إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عندما يصبح إقليم كردستان اعتداءً على السيادة

نسيب أبو ضرغم - البناء

نسخة للطباعة 2013-12-17

إقرأ ايضاً


في لحظة ثبّتت الولايات المتحدة الأميركية خطوط العرض المشهورة فوق العراق في بداية التسعينات من القرن الفائت كانت رسمت حدود تقسيم العراق وتركت لتدحرج خطتها في إنشاء الشرق الأوسط الجديد أن تتكفّل في إنشاء الكيانات السياسية في العراق وبخاصة كيان كردستان العراق.

كانت الحرب عام 2003 على العراق بمثابة العملية الجراحية الآيلة إلى استيلاء الجنين السفاح وهو العراق المقسم فاستعملت كل الآليات M canismes الكفيلة باستيلاده حيّاً إذ خلت الجيش وفرضت دستور برايمر الانفصالي الذي أسس لتقسيم العراق وهكذا نجحت في خلق الوليد المشوّه مقدمةً لتعميم نموذجه على كل سورية الطبيعية.

بقيت سياسة إقليم كردستان تتحرّك خلف غلالة رقيقة لم تستطع دائماً حجب النزوع الانفصالي في هذه السياسة وإن يكن ظاهراً للمتابع أن مساراً حتمياً سيؤدي إلى ما وصلت إليه سياسة هذا الإقليم أخيراً.

الغلالة الرقيقة التي سترت النزوع الانفصالي الكردي كانت الصيغة الفدرالية في الدستور العراقي وترافقت مع ضخّ هائل من الإعلام بأنها أي تلك الصيغة الحل الأمثل لجعل المكوّن الكردي يطمئنّ إلى مصيره ضمن دولة العراق الفدرالي.

إن المتابع لسلوك قيادة إقليم كردستان سواء على مستوى الداخل العراقي أو على مستوى أكراد سورية يلحظ بوضوح أنّها تتصرف على قاعدة الاستقلالية التامة ومن دون احترام لأيّ سعادة انطلاقاً من اعتبار نفسها مرجعية سياسية شرعية تجيز لها أن تقرّر وتفصل في كل ما له علاقة بالأكراد في المنطقة.

إنّ ما تقوم به سياسة إقليم كردستان العراق لا يتعارض مطلقاً مع جوهر الأسباب التي أدت إلى شنّ الحرب على الدولة العراقية ذلك أن تلك الحرب لم تقع أساساً لإسقاط الدكتاتورية في العراق أو لردع الرئيس الراحل صدام حسين عن امتلاك سلاح دمار شامل كما ادعت آنذاك الدوائر الصهيوـ أميركية بل لإسقاط الدولة المركزية في العراق مقدّمة لقيام الشرق الأوسط الجديد. وفي السياق ذاته كان نشوء هذا الإقليم في شمال العراق. وفي السياق عينه تصب سياسة هذا الإقليم وقراراته.

لعلّ أبرز الخطوات والقرارات المعبرة عن سلوك الإقليم الانفصالي إصراره على عقد اتفاقيات لضخ الغاز والنفط العراقيين إلى تركيا من دون سؤال الحكومة المركزية في بغداد أو إعلامها.

أوردت صحيفة «روداو» الكردية في أربيل ونقلت عنها الصحف التركية معلومات عن إبرام اتفاقات بين حكومة كردستان العراق وأنقرة تقضي بضخّ النفط والغاز الطبيعي مباشرة من «حكومة» إقليم كردستان ومن دون العودة إلى الحكومة العراقية. وأوردت الصحيفة المذكورة أنه بحلول العام 2015 سيُنشأ خط أنابيب ثان يؤمن نقل 70 مليار متر مكعّب من الغاز الطبيعي إلى الموانئ التركية.

الخبر الذي أوردته الصحيفة الكردية والصحف التركية لم يكن الأول ولن يكون الأخير لناحية الإعلان عن إجراءات تحمل شروط الاعتداء كلّها على سيادة الدولة العراقية.

ارتكبت حكومة كردستان العراق اعتداءين على سيادة بغداد الأول في تصرفها المنفرد ومن دون التنسيق مع الحكومة المركزية في ضخ الغاز والنفط إلى تركيا كأنّها حكومة مستقلة تمام الاستقلال وتمثل دولة قائمة معترفًا بها في المحافل الدولية وليست كناية عن حكومة إقليمية ملزمة بالتسنيق مع الحكومة المركزية خاصة في قضايا استراتيجية مثل موضوع النفط والغاز.

أمّا الاعتداء الثاني فيتمثّل في عدم الاكتراث بالصراع القائم بين أنقرة وبغداد على خلفية تدخل أنقرة المشبوه في الحوادث الأمنية العراقية وانغماسها في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد في العراق وفي الشام ولبنان. ذلك أن بغداد تخوض صراعاً مريراً مع أنقرة في هذا الشأن فتأتي الحكومة الإقليمية في كردستان لتكافئ حكومة أنقرة على موقفها المعادي هذا.

وبناء عليه تكون حكومة إقليم كردستان قد أسقطت بقراراتها المشار إليها حتى تلك الغلالة الرقيقة واعتبرت أن اللحظة التاريخية قد حانت لتوجيه الضربة الحاسمة في مسار استقلال كردستان.

ما أريد شخصياً التأكيد عليه هو أنّ مَنْ كان ينتظر من حكومة إقليم كردستان غير ما فعلت وغير ما ستفعله في المستقبل في السياق ذاته هو مشتبه إلى حد كبير إنْ لم نستعمل مصطلحاً آخر.

وضع خطوط العرض في بداية التسعينات وحصار العراق والحرب عليه عام 2003 وحلّ جيشه وتشجيع السعودية وسواها على بذر بذور الشقاق المذهبي ووضع الدستور المشبوه الآيل حتماً إلى تمزيق العراق... ذلك كلّه يشكل تقنيات استعملتها الدوائر الصهيو ـ أميركية لتطبيق سايكس ـ بيكو جديدة بدءاً من العراق وما الإقليم الكردستاني العراقي إلاّ ثمرة من ثمار هذا المسار ولن يكون إلاّ مفردة في النص الشرق أوسطي الذي وضعه مشروع الشرق الأوسط الجديد.

إن ما تجرأ عليه قادة إقليم كردستان من امتهان لسيادة الدولة العراقية بات يفرض علينا جميعاً أن نضع الوصف الحقيقي لهذا الكيان الكردي فالخروج على فدرالية الدولة العراقية أتى منه وهذا الخروج يحمل الكثير من المؤشّرات الأكثر سلبية وخطورة والتي ستحمل لنا الأيام المقبلة.

يبدو أن بثور السرطان اليهودي أخذت تظهر على جسد هذا العالم العربي من جنوب السودان إلى أماكن أخرى ستكشف عن نفسها إذا لم يقف هذا المارد المشرقيّ على قدميه.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024