إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حاملات الطائرات والحرب الكبرى

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-09-23

إقرأ ايضاً


لم يعد باستطاعة الإنسان ملاحقة التغيرات المفاجئة والمتلاحقة . فالأحداث تنحدر بنا اليوم إلى زوايا الإحباط والعدم، والبشرية مُقبلة على أشواط محتومة توجهها عجلة الآلة الشيطانية لأصحاب أدمغة الشر. وهم حفنة من الأفراد يقيمون في هذا الكوكب ويتخذون لأنفسهم هدفاً يتمثل في السيطرة على مقدرات الكون بأسره. ولا ريب أننا حينما نتأمل فيما ينشر من تصريحات وتوقعات واستنتاجات من كبار المسؤولين الأمريكيين نشعر بحالة تشاؤم حتمية من أنهم يتجهون بالعالم إلى حرب كونية ستكون أعظم مغامرة في التاريخ البشري وأشهدها دماراً وهلاكاً . فقد قال قائد القوات الأمريكية ديفيد بترايوس ، في شهادته أمام الكونجرس ، إن إيران تشن حرباً بالوكالة عبر الميليشيات ضد الدولة العراقية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة فـي العـراق . وفـي الوقت نفـسه حـذّر السفيـر الأمريكي في العراق رايان كروكر ، من أي انسحاب من العراق قائلاً إن إيران ستكون الرابحة إذ أنها ستتمكن من تعزيز نفوذها في العراق . وبعـد ذلك حـذّر المرشـح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية باراك أوباما ، إدارة الرئيس جورج بوش ، من الإقدام على نقل الحرب التي تخوضها القوات الأمريكية في العراق منذ أكثر من أربع سنوات إلى إيران المجاورة . وقال أوباما : "جورج بوش وديك تشيني يجب أن يسمعا صوتـاً عاليـاً واضحـاً مـن الشعب الأمريكي وأعضاء الكونغرس : أنتما لا تحظيان بدعمنا ولم نمنحكما السلطة المطلقة لشن حرب أخرى"، وقالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في حوار مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية أن "العالم يمر في حال من الاضطراب المقلق، ولا اعتقد أنني شاهدت العالم من قبل في مثل هذا الوضع المزري والمثير للقلق واعتقد أن العراق سوف يدخل التاريخ باعتباره الكارثة الكبرى في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية وهذا يعني أنني أعترف بأن العراق أشد سوءاً من فيتنام". وتأتي هذه التصريحات الأمريكية في ظل التصعيد العسكري وإرسال حاملتي طائرات إضافيتين إلى الخليج العربي هما "نيميتز" و "ترومان" لتضافا إلى حاملة الطائرات "أنتربرايز" الموجودة هناك في عمل يهدف إلى استعراض القوة وإلى تنبيه القيادة الإيرانية إلى أن الولايات المتحدة جادّة في توجيه ضربة عسكرية إليها بعد اتهام إيران بالضلوع في رفد المقاومة العراقية بالسلاح والمال. فهي تعتقد أن العبوات الناسفة والصواريخ المتطورة الموجهة التي تستخدمها المقاومة، لا يمكن أن تكون مصنّعة محلياً ، خاصة وأن هناك حرباً تقنية عالية المستوى بين الجيش الأمريكي والمقاومة العراقية . فقد عجز الخبراء العسكريون في مصانع السلاح الأمريكي عن إيجاد حل لمشكلة العبوات الناسفة التي تتعرض لها الدبابات والآليات العسكرية في العراق . فكلما تم تصنيع سلاح جديد يتفوق على هذه العبوات ، ردّت المقاومة بتطوير عبواتها . وأيضاً فإن مدافع الهاون والصواريخ الموجهة ، أصبحت تشكل كابوساً بالنسبة للجيش الأمريكي ولحلفائه لما تلحقه من أذى كبير بالطائرات الحربية والمبانـي والقواعـد العسكريـة المحصّنة . وهذه المدافع والصواريخ متطورة ولا يمكن أن تكون من إنتاج محلي ، ولا يمكن أن يكون مطلقوها من الهواة ، لأن هذه الأسلحة تحتاج إلى خبرات عسكرية ولاسيما في فنّ الإشارة ، مما يعني أن ثمة جهة خارجية هي التي تقدم هذه الأسلحة وربما الرجال لقتال الجيش الأمريكي وحلفائه . ومن كل الدول المحيطة بالعراق والبعيدة عنه، تصرّ الولايات المتحدة على اتهام إيران، ربما من أجل أن تتخذ من هذا الاتهام ذريعة لتوجيه ضربات جوية ضدها مما قد يؤدي إلى توسيع رقعة النزاع وإدخال المنطقة كلّها في دوامة صراع شامل . والواقع أن الولايات المتحدة معروفة بسياسة الهروب إلى الأمام ، أي أنها قد تتهرّب من صراع بإشعال صراع جديد . ففي أثناء الحرب الأمريكية على فيتنام ، اتهمت الولايات المتحدة كمبوديا المجاورة بمدّ الثوار الشيوعيين في فيتنام بالسلاح ، وقام الجيش الأمريكي بتوجيه ضربات جوية ضد المنشآت العسكرية والمدنية في كمبوديا ، فتزعزع استقرارها ، وانفتح المجال أمام وصول الثوار الشيوعيين الكمبوديين المعروفين بالخمير الحمر إلى السلطة في كمبوديا عام 1975 ، حيث قام هؤلاء بتطبيق ما يسمى الاشتراكية، وأخذوا سكان العاصمة والمدن الكبيرة، الذين وصفوهم بالبرجوازيين، للعمل في الزراعة بهدف إذلالهم. ونجم عن ذلك وقوع أكبر مأساة تحلّ بهذا الشعب، إذا قتل من جراء ذلك نحو مليوني كمبودي إلى أن سقط نظام الخمير الحمر عام 1978 . وقد كان التدخّل الأمريكي في كمبوديا السبب الرئيسي في وقوع هذه المأساة لشعبها . والآن تريد الولايات المتحدة أن تهرب من المستنقع العراقي من خلال إشعال صراع جديد ضد إيران . غير أنها هذه المرة سوف تتسبب في كارثة تفوق كارثة كمبوديا بكثير ، لأن إيران ستردّ على أي هجوم أمريكي مما سيقود إلى اشتعال المنطقة وربما العالم كله ودخوله في أتون حرب كبرى قد تُستخدم فيها الأسلحة النووية ويُقضي فيها على مئات الملايين من البشر . وسيُدمر كل ما هو جميل ونبيل في حياة الإنسان وحضارته وتراثه وتاريخه وكنوزه التي قد تستحيل إلى رمادٍ.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024