إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرصاص على شجرة الأكفان في فلسطين

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-04

إقرأ ايضاً


بثت القنوات الفضائية لقاء مع أم فلسطينية قُتل ابنها بالرصاص الخارق الإسرائيلي ، وبجانبها عدد من الأطفال الأيتام المعذبين الذين قتل آباؤهم وأحرقوا وأبيدوا بلا ذنب ولا خطيئة اقترفوها بفعل صواريخ الطائرات الإسرائيلية . هؤلاء الأطفال يبكون ويسألون عن أهلهم بلغة الخوف والقلق والتمرّد وغريزة حب الأم والأب بعبثية ، كدورة الفراشة حول النور فقط لتموت على وريقات شجرة الحزن في عواطف الكفن على شواطئ أغنية الصلصال. خلف ذاك الصمت العربي ومستنقع الخراب على أهداب الليل في مساحات البوح ، في رحلة لا تنتهي ، وقصة لم تبدأ بعد من العمق إلى العمق ، وهم يرتلون قصائد الأمل وخشوع الروح لحرية الوطن ، لحرية الموت بعد اليتم والألم والضياع. فهم يتمنون الموت بشرف الأطفال لأنه أهون عليهم من الخضوع للمحتل الذي لم يعرف منذ النكبة غير لغة القتل وإذلال إنسانية الإنسان. وأمهم تحتضن باكية أحد أطفالها وهو يردد : أي عذاب هذا! لقد عزَّ علينا حتى الحلم والأمل، فأنا أريد أن استشهد وأترك جسدي كي يشهد على نكران العالم العربي الذي تخلى عنا أحياء - أم موتى - مستسلماً بعد أن ذابت مقاييس المبادئ والمواقف وتلاشت الاتجاهات والمسافات بالرغم من أن بيوتنا تُمطر بالصواريخ ونار السحب متَّقِدة الرعود تقصف فتزلزل كياننا وبرق الرصاص يلمع فيضيء أجسادنا في الأفق الممتد دون نهاية أو مدى. والشيء المضحك والمبكي عندما قالت "وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية" يولي تامير: إن على إسرائيل ، وبعد ستين عاماً على قيامها ، أن تقدم اعتذاراً على مذبحة "كفر قاسم" التي وقعت عام 1956 . وبداية لا بدّ من التساؤل عن ما إذا كان اعتذار إسرائيل عن مذبحة واحدة يكفي وهي التي ما فتئت ترتكب المذابح الواحدة تلو الأخرى منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 حتى الآن ، حيث شردت ملايين الفلسطينيين من أرضهم وديارهم ، وقتلت مئات آلاف آخرين لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم سكان الأرض الحقيقيين الذين عاشوا فيها آلاف السنين إلى أن جاءت عصابات الغدر الصهيونية في ليل بهيم أليل ، فقتلتهم وشرّدتهم واغتصبت أرضهم وأقامت عليها ما يسمى "دولة إسرائيل" ، هذه الدولة الممزوجة بالدم والتي تدعي الآن أنها مثال على الديمقراطية . فيا للعجب ، أية ديمقراطية تلك التي تستبيح أرض الآخرين ودماءهم وأعراضهم ، وأية ديمقراطية تلك التي تجعل شعباً بأكمله ، إما مشرَّداً خارج وطنه ، أو موضوعاً داخل الوطن في سجن كبير . وما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة اليوم هو أبلغ دليل على أن الديمقراطية التي تتلفع بها إسرائيل ما هي إلاّ كذبة كبيرة تضاف إلى سلسلة الأكاذيب التي رافقت المشروع الصهيوني الغادر . فالضفة تم تقسيمها من قِبل جيش الاحتلال إلى مناطق معزولة بالحواجز والمستعمرات والأسلاك الشائكة . وكل يوم يقتل هذا الجيش ويعتقل في مدن وقرى الضفة عشرات الفلسطينيين . أما في غزة الصامدة ، فإسرائيل "الديمقراطية" تفرض حصاراً خانقاً على نحو مليوني فلسطيني يعيشون على رقعة أرض ضيقة ، وتمنع عنهم الماء والهواء وتقتلهم بطيرانها الحربي الذي يدمر كل يوم ، المنازل فوق رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء آناء الليل وأطراف النهار. وعلى الرغم من كل هذه الجرائم التي تقترفها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم ، وخاصة الغرب الذي يدعي أنه رسول الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى البشرية . إلاّ أن هذا الغرب يصمّ أذنيه عن صرخات المكلومين في فلسطين ، ويدافع بكل ما عنده من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية عن عدوان إسرائيل المستمر ، ويطالب الفلسطينيين بالتزام الصمت لأنهم في نظره ، هم المشكلة وليس وجود إسرائيل غير الشرعي على أرضهم ، كما أنه يدفع الدول العربية والإسلامية إلى إقامة علاقات سلام مع دولة العدوان تحت شعار الشرق الأوسط الكبير الذي يُراد فرضه على المنطقة . ويعمل كذلك على محاصرة كل قوى المقاومة ضد إسرائيل لا من قبله فقط ، بل إنه يريد من العرب والمسلمين أن يفرضوا حصاراً أيضاً على هذه القوى . ولا شك أن أصل المشكلة في فلسطين هي قوى الاستعمار الغربي التي لولاها ما كان بوسع الصهاينة احتلال شبر واحد من الأرض الفلسطينية ، ولا تهديد الشعوب العربية بالعدوان المستمر عليها . ولعل ما يجرح الفؤاد هو ركون بعض العرب إلى أولئك المستعمرين والادعاء بأنهم حلفاء لهم مع أن الواقع العربي ، منذ أكثر من قرن من الزمان ، يخالف هذا الادعاء . ومع الإيمان بأن للباطل جولة ، وللحق صولة ودولة ، وأن ديار الظالمين خراب ولو بعد حين ، إلاّ أن القلب طفح من الغيظ ولم تعد لدى الشعوب العربية قدرة على تحمّل كل تلك المآسي التي تنزل بالشعب الفلسطيني المظلوم . ولم تعد هناك قدرة على احتمال الأكاذيب المستمرة سواء عن الديمقراطية المزعومة في دولة العدوان ، أو عن مطالبة هذه الدولة بالاعتذار عن مذبحة واحدة من آلاف المذابح ، بل من ملايين المذابح التي ارتكبتها عبر تاريخها المشؤوم .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024