إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الغبار الأوروبي ومهازل حقوق الإنسان

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-11

إقرأ ايضاً


كشفت المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية بينيتا فيريرو فالدنر ، خلال زيارتها إلى العاصمة القطرية الدوحة يوم 16/4/2008 ، أن قضية حقوق الإنسان هي بين النقاط التي تؤخر اتفاق التجارة الحرّة الذي لا يزال موضع تفاوض بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج منذ عشرين عاماً . وقالت ، إن أحد تلك المواضيع العالقة هو التوافق حول مبادئ حقوق الإنسان . ولعل ما يدعو إلى الأسى هو ذلك الشعور بالاستعلاء الذي يكنّه الغرب تجاه الشعوب الأخرى ، ومنها الشعوب العربية . وكأن هذا الغرب قد بلغ غاية الوجود في الأخلاق السامية والتعامل الراقي ، بينما باقي الشعوب ما تزال تعيش حياة القطيع والبهيمية ، ولا تعرف شيئاً عن المدنية والتحضّر . لكن ، عفواً من هذا الغرب المتغطرس الذي فقد صوابه وأعماه حقده الدفين تجاه المستضعفين الذين كانوا وما زالوا ضحايا استعماره واستعباده والذين يتحلون بالأخلاق الفاضلة ولهم نفوس نبيلة ، ولكن ذلّوا بسبب تفرقهم وعدم امتلاكهم القوة الكافية لردع المعتدين . أليست هذه هي الحقيقة ، أليس الغرب قد استعمل كل أنواع البطش والقتل الجماعي لقهر الشعوب في أمريكا وأفريقيا وآسيا ؟. من يستطيع أن ينكر إبادة شعوب أمريكا الأصليين على يد رُسُل الشياطين الأوروبيين ؟. من يستطيع أن ينكر نقل الزنوج من أفريقيا بعشرات الآلاف ليعملوا كعبيد في مزارع الإنسان الأبيض في أمريكا ؟. إن كل المآسي التي ترزح تحتها الشعوب الفقيرة سببها عدوان الإنسان الأوروبي ، ويأتي هذا الإنسان اليوم ليتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهيهات منه ذلك . وقد كانت الشعوب العربية ومنها شعوب دول الخليج من ضحايا الاستعمار الأوروبي الذي جثم على الأرض العربية حتى النصف الثاني من القرن العشرين ، حيث رحل بعد ذلك ، عسكرياً ، ولكنه ظل يتوسّل بما يمسى العلاقات الدبلوماسية للتدخل في شؤون هذه الدولة العربية أو تلك . وكانت دول الخليج العربية قد أصبحت في مطلع السبعينات من أهم منتجي النفط في العالم ، وخلال حرب أكتوبر عام 1973 ، قامت هذه الدول بقطع النفط عن الدول الغربية التي كانت تدعم إسرائيل مما أدى إلى حدوث شحّ في إمدادات النفط العالمية ، فارتفعت الأسعار ووصلت إلى مستويات قياسية وظهرت دول الخليج كلاعب رئيسي على الساحة الدولية . وقد تنبّهت دول السوق الأوروبية المشتركة إلى أهمية هذه الدول الناشئة على ضفاف الخليج ، فبادرت إلى إطلاق ما يسمى "الحوار الأوروبي ـ العربي" ومن ثم بدأت في التقرّب من دول الخليج ونسج علاقات اقتصادية متشابكة معها . وكانت هذه العلاقات تهدف إلى الحصول على أسعار معقولة للنفط ، وضمان إمدادات كافية منه إليها ، وأيضاً دفع دول الخليج إلى استثمار الأموال التي تأتيها من وراء بيع النفط في مشاريع في دول السوق الأوروبية . وتوالت اللقاءات بين المسؤولين في دول الخليج ودول السوق الأوروبية . وفي عام 1981 ، تم إنشاء مجلس التعاون ، فأصبحت دول السوق تتعامل مع هذا المجلس . وفي عام 1988، اتفق الجانبان ـ مجلس التعاون والسوق الأوروبية المشتركة ، على عقد اتفاقية للتعاون بينهما وقد أسست هذه الاتفاقية للعلاقات بين السوق الأوروبية المشتركة وبلدان مجلس التعاون الخليجي الستّ . كما نصّت على العمل في سبيل تعاون شامل في قطاعات الصناعة والزراعة والصيد والتجارة والطاقة والعلم والثقافة والمحيط والإعلام والاستثمار وسوى ذلك . وحرص الطرفان على اعتبار كل منهما مستفيداً من نظام الأمة الأكثر رعاية فيما يتعلق بالتجارة . ونصّت الاتفاقية على إنشاء مجلس مشترك للتعاون يُكَلَّف بتحديد الصيغ الآيلة إلى وضع التعاون بين الطرفين موضع التنفيذ . ونصّ مشروع الاتفاقية على الإلغاء التدرجي خلال ثماني سنوات لكل الرسوم الجمركية المفروضة على منتوجات مجلس التعاون عند دخولها السوق الأوروبية المشتركة ، باستثناء بعض السلع "الحساسة" كالمنتوجات البتروكيميائية والمنتوجات المكررة والألومنيوم التي قد تستمر الفترة الانتقالية بشأنها حتى 16 عاماً . وتوالت الأيام والسنوات ، ولم يوضع اتفاق التبادل الحرّ بين الجانبين موضع التطبيق . وتجيء الآن المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية ، أي وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي ، لتقول ، إن حقوق الإنسان هي التي تعيق وتؤخر توقيع الاتفاقية ، أي بمعنى أن الاتحاد الأوروبي لن يطبّق الاتفاقية إلاّ إذا خضعت دول مجلس التعاون لإملاءاته فيما يتعلق بحقوق الإنسان . لكن عن أية حقوق إنسان تتحدث هذه المفوضة ، وهل تحترم دول الاتحاد الأوروبي هذه الحقوق ؟. ألم تساند هذه الدول الولايات المتحدة في حربها على العراق ، وألم تساند إسرائيل في عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني ؟. وأيضاً ، لماذا تقبل دول الاتحاد ضمّ دول من أوروبا الشرقية كانت حتى الأمس القريب ، دولاً شيوعية وهي ما تزال تخبط في الفقر والجهل ، وتمتنع عن قبول تركيا التي كانت وما تزال ضمن المعسكر الرأسمالي وجزءاً من حلف شمال الأطلسي؟. الواقع أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى أي لقاء أو تعاون مع الدول العربية والإسلامية من منطلق الندّ للندّ ، وهو عندما يشترط التوافق على حقوق الإنسان مع دول الخليج كمقدمة لتطبيق اتفاقية التبادل الحرّ ، فإنه يسعى إلى إنهاء الكلام حول هذه الاتفاقية واعتبارها كأن لم تكن ، لأنه يعلم أن دول مجلس التعاون لن تستطيع الخضوع لإملاءاته ، لأنها تعاني من خلل كبير في السكان يميل لصالح غير أبنائها ، وأي تغيير في حيثيات الواقع الراهن سيؤدي إلى حدوث نتائج كارثية . فهل يريد الاتحاد الأوروبي تدمير هذه الدول وتغيير وجهها العربي حتى يقبل التعاون معها ؟.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024