إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ملوك الطوائف والواقع العربي الراهن

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-09-15

إقرأ ايضاً


بعد أن استطاع الإسكندر بن فيلبُّس ملك مقدونيا أن ينتصر على الجيوش الفارسية ، وأن يقتل دارا بن دارا ملك الفرس ، عام 331 قبل الميلاد ، دخل السوس عاصمة الإمبراطورية الفارسية ، ودانت له فارس بأكملها ، واختار الإسكندر البقاء في بلاد فارس وأن يحكم من هناك إمبراطوريته الممتدة من الصين إلى مقدونيا . وكان أن حدث بعد انهيار الإمبراطورية الفارسية ، أن تغلّب رئيس كل ناحية من نواحي الإمبراطورية على ناحيته واستقل فيها ، وتفكر الإسكندر في كيفية التعامل مع هؤلاء الرؤساء ، فأشار عليه معلمه ووزيره أرسطو طاليس بأن يكاتبهم من أجل تشتيت كلمتهم وتحريبهم ، وغلبة لك رئيس منهم على الصقع الذي هو به ، فينعدم نظام الملك والانقياد إلى ملك واحد يجمع كلمتهم ليرجع الأمر إلى الإسكندر فقط . فقام الإسكندر بمكاتبة ملك كل ناحية ، وملّكه على ناحيته ، وتوّجه وحباه ، فاستبدّ كل واحد منهم بناحية ، فصار ملكه من بعده في عقبه ، ممانعاً عما في يده ، و طالباً للازدياد من غيره ، وكان ملوك الطوائف من الفرس والنبيط والعرب . ويروي المسعودي في كتابه "مروج الذهب" ، أن أكثر ملوك الطوائف كانوا ينقادون إلى الأشغانيين وهم ملوك الجبال من بلاد الدينور ونهاوند وهمذان وماسبدان ، وأذربيجان ، وكان كل ملك منهم يلي هذا الصقع يسمى بالاسم الأعم"أشغان" . فقيل لسائر ملوك الطوائف "الأشغانيون" ، إضافة إلى ملك هذا الصقع لانقيادهم إليه . لكن إلى جانب الأشغان ، كان هناك الأردوان وهم ملوك النبيط ، الذين كان ملكهم يشمل معظم شمال العراق ووسطه حتى كربلاء . وكان هناك أيضاً ملوك العرب من مضر بن نزار بن معد وربيعة بن نزار وأنمار بن نزار ، والنضرية من بين النضر من اليمن وغيرهم من قحطان لهم ملوك ، وقد نصبت كل طائفة لها ملكاً ، لعدم وجود ملك يجمع كلمتهم . واستمر ملك ملوك الطوائف خمسمائة سنة وسبع عشرة سنة ، وذلك من ملك الإسكندر عام 331 قبل الميلاد إلى أن ظهر أردشير بن بابك بن ساسان ، فغلب على ملوك الطوائف ، وقتل أردوان الملك بالعراق ، ووضع تاج أردوان على رأسه ، وكان قد قتله في مبارزة على شاطئ دجلة سنة 216 للميلاد . وكان هذا أول يوم يعد من ملك أردشير لاستيلائه على سائر ملوك الطوائف ، وتمهّدت البلاد واستقامت دعائمها بملكه ، فمن ملوك الطوائف من قتله أردشير ، ومنهم من انقاد إلى ملكه وأجاب دعوته . وقد حكمت ملوك الطوائف بين الفرس الأولى الأخمينية ، والفرس الثانية وهم الساسانية ، ومضى ملوك الطوائف ومضى زمنهم ، لكن عودتهم من جديد اقترنت بظهور الدول الاستعمارية الغربية /بريطانيا وفرنسا/ فقد ارتأت هاتان الدولتان أن تقسيم العالم إلى دول صغيرة ومستقلة "على شاكلة ملوك الطوائف" هو أفضل طريقة لحكم العالم ، وكانت إثارة الحروب هي الوسيلة لتحقيق هذه الغاية . وما لبثت الحرب العالمية الأولى أن اندلعت عام 1914 ، وزجّت فيها الإمبراطوريات الكبيرة آنذاك وهي الإمبراطورية النمساوية ، والإمبراطورية العثمانية ، والإمبراطورية الروسية . وانتهت الحرب عام 1918 بهزيمة هذه الإمبراطوريات وتقسيمها ، ولاسيما الإمبراطورية النمساوية والعثمانية ، وتم خلق دول كثيرة جديدة على أنقاضها في أوروبا وآسيا وأفريقيا . ومن ثم قامت بريطانيا وفرنسا باستعمار العالم بينهما مناصفة ، وقامتا بإنشاء كيانات صغيرة في المستعمرات ورسمتا لها الحدود . وعندما انهارت بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية ، اضطرت هاتان الدولتان إلى منح الكيانات الجديدة استقلالها ، فظهرت دول كثيرة في العالم وبأسماء لا حصر لها . وأكملت الولايات المتحدة مسيرة بريطانيا وفرنسا ، فحافظت على دول الطوائف في العالم ، وقامت بإنشاء منظمة الأمم المتحدة وأدخلت دول العالم فيها أفواجاً ، حتى أصبح في هذه المنظمة الآن نحو مئتي دولة مستقلة . وخضع العالم العربي للاستعمارين البريطاني والفرنسي ، وفي جزء منه /ليبيا/ للاستعمار الإيطالي . ولم تغادر الدول الاستعمارية حتى كانت قد أنشأت حكومات محلية ودولاً مستقلة ذات حدود مرسومة . ومن ينظر إلى خرائط الدول العربية يتعجّب أشدّ العجب من مهارة الرسامين ـ الإنجليز والفرنسيين ـ الذين رسموا حدود الدول العربية ، حيث تجد استطالة هنا وانحناءة هناك ، بالإضافة إلى بعض المناطق التي تم اعتبارها مناطق محايدة ـ و يا للعجب ـ فلا تتبع لدولة بعينها ، والهدف من إنشائها هو إبقاؤها كقنابل موقوتة لتفجير الصراعات بين الدول العربية . وهناك الآن أكثر من عشرين دولة عربية ، وتقوم الولايات المتحدة اليوم ، بالإشراف على دول الطوائف في العالم أجمع ومنه المنطقة العربية . فنراها تدعم استقلال وسيادة لبنان ، وتدعم استقلال وسيادة دول آسيا الوسطى والقوقاز السوفيتية سابقاً ، وتقدم الأسلحة للهند وباكستان في الوقت عينه ، وتقدّم الحماية لتايوان لكنها لا تنسى صداقتها مع الصين ، وتشجع على الديمقراطية في روسيا الاتحادية لكي تتفكك إلى دول صغيرة متناثرة ، وتعمل على ضمان عدم ظهور إمبراطورية في العالم سواها . وذلك من خلال الإبقاء على دول الطوائف في كل مكان من العالم ضعيفة وتحت إشرافها المباشر .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024