إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

باكستان والصراع المستمر

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-12-02

إقرأ ايضاً


لا أحد يعلم بالضبط ماذا يحدث في باكستان أو كيف تسير الأمور في هذه الدولة المسلمة الكبيرة ، وما تتناقله وسائل الإعلام حول مواقف السلطة والمعارضة فيها ، ليس سوى اختزال لوضع معقّد لا يوجد له حل ، لا الآن ولا في المستقبل . إنه وضع الدولة التي يتم إنشاؤها على أساس ديني بعد أن تم انتزاعها من محيطها بطريقة تغاير الوضع الطبيعي لنشوء الدول . فمن شروط نشوء الدول أن يكون هناك شعب له لغة واحدة وتاريخ مشترك واحد ويعيش في رقعة جغرافية متصلة ، وهذا ما ينطبق على معظم دول العالم . أما باكستان ، فقد أنشئت لحظة استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 لتكون دولة لمسلمين شبه القارة الهندية . وفي الرقعة الجغرافية التي أقيمت فيها هذه الدولة ، وهي باكستان الحالية وبنغلاديش التي كانت تسمى باكستان الشرقية ، لم يكن كل الشعب من المسلمين ، بل كانت هناك أعراق هندية متعددة إسلامية وهندوسية ، وإن كانت الأعراق الإسلامية هي الطاغية . وقد حدثت لحظة قيام باكستان، هجرات متعاكسة من المسلمين والهندوس عبر الحدود على نطاق واسع وبشكل ساده العنف . لكن لم يترك كل المسلمين والهندوس مواطنهم في كلا الدولتين ، بل ظلت هناك أقلية هندوسية في باكستان ، ولاسيما في قسمها الغربي . وظلت هناك أقلية إسلامية في الهند ، وهذه الأقلية الآن تبلغ نحو 200 مليون مسلم ، لكنهم أقلية أمام الأغلبية الهندية التي تبلغ نحو 800 مليون نسمة . ولو أن دولة المسلمين لم تظهر ، لكان الآن في الهند نحو 500 مليون مسلم على فرض أن في باكستان وحدها نحو 140 مليون ، وفي بنغلاديش 128 مليون . ولو ظل المسلمون في الهند لكانوا الآن قوة رئيسية فيها ، ولكانت قيادة الهند لهم ، كما ظلت كذلك على مدى نحو ألف سنة منذ أول فتح إسلامي لها على يد المجاهد الكبير محمود الغزنوي عام 388 للهجرة /997 للميلاد . وقد لعب المستعمر الإنجليزي دوراً رئيسياً في القضاء على قوة مسلمي الهند من خلال عمله على إنشاء دولة باكستان وتشتيت المسلمين في شبه القارة الهندية وتوزيعهم على دولتين زرع بينهما العداء المستمر . ولم يكتف الإنجليز بذلك ، بل جعلوا باكستان دولة مستقلة داخل الكومنولث البريطاني ، وتعترف بالعاهل البريطاني رئيساً لها ـ كما هو حال استراليا وكندا ـ لكن الولايات المتحدة دخلت إليها عام 1956 ودفعت جنرالاً موالياً لها هو أيوب خان إلى القيام بانقلاب عسكري على الحكومة وإلى قطع صلة باكستان ببريطانيا وإقامة نظام جمهوري فيها ، ومنذ ذلك الوقت ظلت تعاني من الانقلابات المتوالية ومن حالة الحرب المستمرة مع الهند . ولا يريد الباكستانيون بكل تأكيد أن يستمر هذا الصراع بينهم وبين الهند حول كشمير ، لكن الولايات المتحدة هي التي تريد لهذا الصراع أن يستمر إلى ما لا نهاية ، لأسباب متعددة ، أهمها منع الباكستانيين من التفكير بحقيقة الوضع السياسي في بلدهم ؛ وبالتالي قطع الطريق أمام إحداث تغيير سياسي في باكستان يعارض الإرادة الأمريكية . وثانيا ، تريد الولايات المتحدة أن يستمر هذا الصراع لتطويق الهند ومنعها من التحوّل إلى قوة كبرى . وقد نجحت الولايات المتحدة إلى حدٍّ بعيد في هذا المشروع ، وخاصة بعد أن زوّدت باكستان بالسلاح النووي ليشكّل عامل رعب مستمر في نفوس الهنود . وعلى الرغم من أن الهند تملك سلاحاً نووياً أيضاً ، لكنها تعلم أن صراعها الأساسي ليس مع باكستان ، بل مع الولايات المتحدة. وبالتالي ، فهي تقف دائماً موقف الحذر والخائف ، بل موقف المتسوّل للمساعدات من الولايات المتحدة لتخفيف الاحتقان الذي يحدث أحياناً ، بتدبير من الأمريكيين ، بينها وبين باكستان . وفي ظل غياب القرار الباكستاني الحرّ ، فإن أزمات الشعب الباكستاني لن تنتهي في المستقبل القريب . فهذا الشعب لا يستطيع أن يقوم بثورة لتصحيح الأوضاع الخاطئة في بلاده ، كما أنه لا يستطيع الاستمرار في السكوت على أوضاع يعرف جيداً أنها لا تخدم مصالحه . ولعل الفوضى المتنقلة هي التي ستسود في باكستان، حيث سيستمر وقوع أعمال عنف متنقلة ذات أهداف سياسية هنا وهناك . لكن هذه الأعمال لن تؤدي في النهاية إلى إحداث التغيير ، لأن هذا لن يأتي إلاّ إذا رفعت الولايات المتحدة يدها عن باكستان ، وهذا الشيء لن يحدث إلاّ إذا انهارت الإمبراطورية الأمريكية .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024