إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

اختلال النظام الرأسمالي في العالم

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-04-27

إقرأ ايضاً


حذّر المدير العام لصندوق النقد الدولي دمينيك شتراوس من عواقب وخيمة يمكن أن تتطور إلى حروب في العالم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، داعياً إلى التحرك للسيطرة على التضخم ، والتشديد على مكاسب التنمية التي تحققت في السنوات الخمس أو العشر الماضية ، وإلاّ فإنها ستتعرض للتدمير الكامل . وأضاف ، أنه إذا واصلت أسعار المواد الغذائية حركتها الجارية اليوم فإنه سيموت مئات الملايين من البشر جوعاً . ويطرح ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في أسواق العالم أسئلة حول الأسباب التي تكمن خلف هذا الأمر . فهل أن ذلك يحدث بسبب تدهور قيمة العملة الأمريكية العالمية ، أم أن السبب هو ارتفاع أسعار النفط ، أم أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بعوامل الطبيعة كانحباس المطر ، والجفاف ، والصقيع ، والعواصف وسوى ذلك ؟. الواقع أن السبب الأساسي والوحيد لكل ما يحدث ، هو تدهور قيمة الدولار في الأسواق الدولية ، حتى أن هذه العملة التي تعدُّ مقياساً لجميع العملات ، لم تعد اليوم كما كانت ، لأن من صفات العملة التي يجب أن تكون مقياساً لكل العملات الأخرى أن تتسم بالقوة والثبات ، وهذان الشيئان لا يتمتع بهما الدولار . وقد أخطأت دول العالم عندما وافقت "وفق اتفاقية بريتون وودز عام 1945" على جعل الدولار عملة عالمية تحدد على أساسها جميع العملات بدلاً من الذهب الذي كان هو المقياس المتبع ، إذ كانت الليرة الذهبية الإنجليزية قبل الحرب العالمية الثانية معياراً ثابتاً غير قابل للتغيير تبعاً لطبيعة معدن الذهب . وقد أدى سحب الذهب من نطاق التداول ووضعه في خزائن وزارة المال الأمريكية ، إلى أن تكون العملة بلا قيمة حقيقية ، فالدولار عبارة عن قطعة من الورق قابلة للحرق والتلف ، وهو ليس معدناً ثميناً. ومما زاد من حجم المشكلة هو أن بنوك الاحتياط الفيدرالي الأمريكية التي تتولى طبع الدولار ، قامت بطبع عدّة آلاف من المليارات من الدولارات وأصبح لدى الولايات المتحدة مخزوناً هائلاً من العملة الورقية التي لا قيمة لها سوى أنها تمثل القوة العظمى الأمريكية. وقد كانت الظروف التي أدت إلى اعتماد العملة الورقية الأمريكية كمعيار عالمي للعملات ، غير طبيعية ، لأن الولايات المتحدة كانت قد خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، وأصبحت تسيطر على كل دول أوروبا الغربية ، وشكّلت من هذه الدول ما يسمى "حلف شمال الأطلسي" . وكان الاتحاد السوفيتي السابق غير معني بالنقود ورأس المال ، لأنه كان يتبنى نهجاً اشتراكياً خالياً من أي شكل من أشكال رأس المال . وبالتالي ، لم تكن اتفاقية "بريتون وودز" تعنيه ، ولهذا لم يعترض عليها ، بل ظل يعمل على تقويض أسس النظام الرأسمالي العالمي الذي أصبحت الولايات المتحدة تجسّده . ومن هنا استمر العمل بنظام الدولار العالمي . وعندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، وانتهت حقبة الاشتراكية ، أصبح العالم ذا وجه واحد هو الوجه الرأسمالي . لكن النظام الرأسمالي كان يترنح هو الآخر من شدّة الإفراط في الإنفاق على ما سمي "مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب" وأيضاً على الرفاه الاجتماعي المصطنع في أوروبا الغربية والولايات المتحدة ، كديكور في إطار الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي السابق . وبعد أن اختفى العدو الشيوعي ، التفتت دول الغرب ولاسيما الولايات المتحدة إلى نفسها ، فوجدت أن هناك تضخماً كبيراً في اقتصادها لا يطابق مفردات الواقع الاقتصادي لديها . فبدأ الاقتصاد الأمريكي في الانكماش منذ أواخر التسعينات ، على الرغم مما كان يُقال ، بأن هناك نجاحاً اقتصادياً في الولايات المتحدة . وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 ، خسرت الولايات المتحدة ألف مليار دولار خسائر مباشرة من جراء انهيار مبنى التجارة العالمية بما فيهما من آلاف الشركات . وخسرت أيضاً ضعف المبلغ من جراء تعطل البورصة العالمية ثلاثة أيام . ومن ثم جاء العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 ، وما أعقبه من ظهور مقاومة عراقية أوقعت الجيش الأمريكي في مستنقع رهيب لا يقدر على الخروج منه . وسرعان ما بدأ الدولار في التراجع مقابل اليورو والعملات الأخرى الرئيسية في العالم ، وارتفع سعر برميل النفط ليصل إلى مئة دولار أو أكثر . والحقيقة أن سعر المئة دولار هو 50 يورو لا غير ، بالنظر إلى انخفاض العملة الأمريكية أمام العملة الأوروبية . وبالتالي ، فإن الدول النفطية تخسر كل يوم عشرات الملايين من الدولارات ، وذلك لأن الدولار لم يعد العملة الأولى في العالم . وقد اختلّ النظام الاقتصادي الرأسمالي في العالم بسبب اختلال قاعدته في الولايات المتحدة ، فحدث تضخّم اقتصادي في مختلف الدول ، وانعكس هذا في غلاء المعيشة للسكان . والواقع أن مرحلة الدولار العالمي قد انتهت ، والعالم يمرُّ الآن بمرحلة انتقال إلى نظام اقتصادي جديد لن تكون فيه أية عملة هي العملة الرئيسية ، بل ربما يُعاد النظر إلى الذهب من جديد ليكون هو العملة الرئيسية في التداولات الدولية .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024