إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أفريقيا قارة المآسي والأحزان

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-08-31

إقرأ ايضاً


لا توجد قارة في هذا العالم فيها من المآسي والأحزان مثل ما يوجد في قارة أفريقيا . ففي هذه القارة يلتقي الفقر والجهل والمرض والحروب الأهلية والدينية . وتتجمّع النسور الغربية لتنهش ما في الأرض الأفريقية من شحم ولحم وخيرات ومعادن ثمينة . ولم يكن نصيب هذه القارة من الحضارة المعاصرة إلاّ القليل . فلا توجد دولة أفريقية سواء في أفريقيا السوداء أو العربية ، يمكن وصفها بأنها دولة متطورة ، بل كل الدول الأفريقية مستهلكة ولم يتأسس في أي منها صناعة حديثة قائمة على أسس العلم والتكنولوجيا . وكان لدى مصر مشروع صناعي منذ أيام محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر . لكن هذا المشروع مات بعد وقوع مصر في قبضة المستعمر الإنجليزي عام 1888 . وبعد الاستقلال حاولت مصر النهوض ، لكنها تعثّرت لأسباب ترتبط بالواقع العالمي الراهن الذي يفرض فيه الغرب قوته وجبروته على الشعوب المستضعفة في الأرض . ويمكن القول ، إن أفريقيا العربية أحسن حالاً من أفريقيا السوداء ، لأنها تنعم بالأمن والاستقرار وشعوبها . إن لم تكن غنية ، فهي تعيش في مستوى حياتي تتحاشى من خلاله غائلة الجوع . وكانت أفريقيا ، منذ القدم ، مطمعاً للشعوب الطامحة ، فقد تعرّضت لغزوات متوالية كان آخرها الغزو الأوروبي الذي وقع في القرن التاسع عشر والذي أدى إلى تخريب هذه القارة وتحطيم شعوبها وبعثرة جهودها . وإذا كان التاريخ البشري عصياً على الاستقصاء في معظمه ، فإن جزءاً منه وخاصة في الآلاف الثلاثة الأولى قبل الميلاد ، قد أصبح مقروءاً بعد أن تم فكّ رموز الكتابات القديمة كالهيروغليفية والمسمارية والكتابات الفينيقية القديمة . وهذه الكتابات وإن كانت لا تؤرّخ لتاريخ العالم وأحداثه منذ الأزل ، لكنها تعطي صورة عن الأحداث التي جرت في تلك القرون السحيقة . وتروي أخبار الفراعنة عن معارك جرت بينهم وبين شعوب تعيش غرب وجنوب مصر ، وكانت هذه المعارك تنتهي بانتصار الفراعنة . وفي القرن التاسع قبل الميلاد ، هاجرت ابنة ملك صور وتُدعى "ديدون" بلادها مع جالية من قومها ، وأبحرت باتجاه أفريقيا واستقرّت في موقع بحري قرب تونس ، أطلقت عليه اسم "قرية حديثا" أي القرية الجديدة . وقد توسّعت هذه القرية حتى أصبحت إمبراطورية تشمل كل تونس الحالية ومعظم بلاد المغرب الأخرى وأجزاء من أفريقيا السوداء . وقد كان لهذه الدولة صلات مع اليونان القدماء الذين كسروا اسمها من "قرية حديثا" إلى "كرتاجو" ، ومن ثم أطلق عليها العرب اسم "قرطاجنة" . وكان القرطاجيون يسمون سكان المغرب "موروسوس" أي سكان المغرب . ولا يخفى أن كلمة "مورو" الفينيقية قريبة من كلمة "مغرب" العربية . ولم تذكر الآثار التاريخية ماذا كان يسمي القرطاجيون سكان أفريقيا السوداء . لكن اليونان أطلقوا عليهم اسم "إثيوبوس" أي الأشخاص ذوو الوجود المحروقة . ولعل هذه الكلمة كانت تطلق على السود الحقيقيين . وعندما حدث الفتح العربي لشمال أفريقيا ، كان سكان المغرب يسمون "بارباروس" وهي كلمة لاتينية تعني السكان الذين مكثوا متمنعين عن الحضارة اللاتينية . وقد حرّف العرب الكلمة حتى أصبحت "بربر" . كما أطلق العرب على سكان أفريقيا السوداء اسم السودان ، وكانت هذه التسمية تشمل السكان الذين يعيشون في الحزام الممتد في قلب القارة من الغرب إلى الشرق . وفيما بعد صار اسم السودان قاصراً على المنطقة شبه الصحراوية والتي انتشر فيها الإسلام . ومن ثم انحصر اسم السودان بدولة السودان العربية ، وانحصر اسم إثيوبوس بدولة الحبشة . وربما هنا يظهر تأثير الثقافة والدين ، فأهل السودان ومعظمهم من العرب المسلمين ظلوا يطلقون على بلادهم اسم السودان . وأما أهل الحبشة المسيحيون فقد تأثروا بالحضارة اللاتينية بسبب ارتباطهم السابق بالدولة الرومانية ، ومن ثم بالدولة البيزنطية بحكم الرابطة الدينية التي تجمع بين الطرفين . ومن جراء هذا الارتباط ، انطبعت في ذاكرتهم كلمة "إثيوبوس" اللاتينية ، فأطلقوها على دولتهم منذ أواخر القرن التاسع عشر ، والاسمان "السودان" و "إثيوبوس" يؤديان نفس المعنى ، ولكنهما يختلفان في الأرومة اللغوية والثقافية .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024