إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سياج إلكتروني بين العراق وسوريا

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-03-22

إقرأ ايضاً


أعلنت الحكومة القائمة في العراق أنها تنوي بناء سياج إلكتروني على طول الحدود مع سوريا لمنع تدفق من تسميهم "المقاتلين الأجانب" ، وسوف تبلغ تكلفة هذا السياج مليار دولار ، وقد عهد إلى شركة أمريكية بمهمة التنفيذ . ولعل الملفت للنظر هو هذا الحسّ الأمني العالي الذي تمتلكه حكومة العراق تجاه سوريا ، في حين أنها تتغاضى عن التهديد الحقيقي المتربص بالعراق ، وهو تلك الجبهة المفتوحة في الشمال بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني الذي يتخذ من أراضي كردستان العراق مواقع له لتهديد الدولة التركية . فهذه الجبهة قد تؤدي إلى حدوث كارثة على العراق من خلال التمهيد لإنشاء دولة كردية في شماله ، ومن ثم ضمّ كردستان تركيا إليها في المستقبل مما سيقود إلى تقسيم العراق . كما أن الحكومة العراقية تتغاضى عن الوجود الأجنبي الجاثم على أرض العراق ، وتنسى أنه لا توجد فائدة من إقامة الأسوار طالما أن المحتلّ موجود في داخل القلعة . فالأولى بها هو المبادرة إلى إخراج المحتل الأمريكي من العراق ، ومن ثم تسييج الحدود بسياجات شائكة وإلكترونية . لكن هذه الحكومة تركت المحتل وراحت تعمل على تسييج الحدود مع سوريا ، وكأن هذا السور العتيد سينقذ العراق من ورطته التي وضعه فيها الاحتلال . ولا شك أن هذا السور لن يؤدي إلى خفض مستوى عمليات المقاومة ضد القوات المحتلة في الأرض العراقية ، لأن هذه العمليات يقوم بها عراقيون لا مقاتلون أجانب ، كما يُشاع في وسائل الإعلام الأمريكية . وتعلم الحكومة العراقية علم اليقين أن من يقاتل القوات الأمريكية هي مقاومة وطنية عراقية ، لكنها تتجاهل هذه الحقيقة ، وتصرُّ على توجيه الاتهام إلى من تسميهم المقاتلين الأجانب الذين يأتون عبر سوريا، مما يبرر لها إقامة سور على الحدود معها . والواقع أن الهدف من إقامة هذا السور ليس منع تدفّق المقاتلين الأجانب ، بل إن وراء ذلك أهدافاً إستراتيجية للولايات المتحدة ، وأهم هذه الأهداف هو منع أي تقارب بين العراق وسوريا . فمع تدمير النظام الوطني في العراق خلال الغزو الأمريكي في عام 2003 ، اختلّ التوازن الذي كان قائماً في منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام . فقد وصلت الأغلبية الشيعية في العراق إلى الحكم وارتسم قوس شيعي يمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان ، وقد تنبهت الولايات المتحدة إلى هذا الواقع الجديد مما دفعها إلى التركيز على تدمير النظام في سوريا لإعادة خلط الأوراق . فجاء مقتل الحريري في بيروت في فبراير عام 2005 كبداية لتنفيذ هذا المخطط . وقد تعاملت سوريا بحكمة، وصبرت ، ونجحت في الخروج من مرحلة صعبة وُضعت فيها . لكن هذا النجاح السوري لم يقابل إلاّ بإصرار أمريكي على الاستمرار في مخطط عزل سوريا . وتأتي مبادرة الحكومة العراقية لإقامة هذا السور ، في إطار زيادة الضغط على سوريا . فهذا السور سيمنع أي تبادل تجاري أو اقتصادي أو حتى إنساني بين العراق وسوريا، على الرغم من أن سوريا تستقبل اليوم نحو مليوني لاجئ عراقي على أراضيها وهي تقدم لهم الخدمات المتنوعة رغم قلّة الإمكانات . وكان من الواجب أن تلحظ الحكومة العراقية هذه الخدمات التي تقدمها سوريا للاجئين العراقيين فيها ، وأن تقابل هذا الإحسان بإحسان مماثل ، لا أن تشرع في تسييج الحدود معها من دون باقي الدول الأخرى المحيطة بالعراق .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024