إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القمة العربية والواقع العربي

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-03-09

إقرأ ايضاً


يقترب موعد انعقاد القمة العربية الدورية في العاصمة السورية دمشق أواخر مارس/ آذار المقبل ، وسط انقسام عربي غير مسبوق بين من يقول ، إن القمة لن تنعقد وبين من يرى أنها ستنعقد بمن حضر من الرؤساء والملوك العرب . والقائلون بعدم انعقاد القمة يربطون بينها وبين الموقف السوري تجاه لبنان ، ويقولون ، إنه إذا لم تساهم سوريا في انتخاب رئيس للبنان ، فإن القمة ستفشل . وبعيداً عن التجاذبات حول القمة المقبلة والتي لن ترتجي منها الشعوب العربية شيئاً ، مثلما هي لم ترتج شيئاً من القمم السابقة ، فإن المضحك المبكي هو هذا التهافت العربي في وحول الخلافات البينية التي سببها الأول والأخير فقدان العرب للقرار الحرّ والمستقلّ ، وانقيادهم الأعمى وراء القوى التسلطية في هذا العالم بغضّ النظر عما إذا كان هذا الانقياد لصالحهم أم لا . كما أن الأنانية والإفراط فيما يسمى "القطرية" ورفع شعار "وطني أولاً" جعلهم يفقدون الشعور بصلة القربى التي تجمع بينهم ، إنطلاقاً من مبدأ "أنت في دولتك وأنا في دولتي ، وأنت حرّ فيما تصنعه وأنا حرّ فيما أقوم به ، لا شأن لك بحياتي ولا علاقة لك بتحالفاتي" . وعلى الرغم من القواسم الكثيرة المشتركة التي تجمع بين الشعوب العربية ، كاللغة الواحدة ، والتاريخ المشترك الواحد ، والدين الواحد . وعلى الرغم من أن هذه الشعوب تعيش على رقعة جغرافية متصلة من الخليج العربي وبحر عُمان شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً ، إلاّ أن كل ذلك لم يفلح في دفع هذه الشعوب نحو الالتقاء وبناء دولة واحدة ، مثلها مثل غيرها من الشعوب والأمم في الأرض . فالصين ، مثلاً ، تبلغ مساحتها نحو عشرة ملايين كيلومتر مربع ، أي حوالي ثلاثة أرباع مساحة الوطن العربي البالغة نحو خمسة عشر مليون كيلومتر مربع ، ويسكنها نحو مليار وثلاثمائة مليون نسمة ، وثمانون في المئة من هؤلاء السكان هم من قومية "الخان" وهي القومية الرئيسية في الصين ، والباقي من قوميات وأعراق مختلفة ، ولا يحسبن أحد أن الصينيين على نسق واحد وأنه لا يوجد بينهم فروق في اللهجات والعادات والتقاليد وفي المذاهب داخل الديانة البوذية ، بل هناك فروق كبيرة بينهم بسبب تلك المساحة الهائلة التي يسكنون عليها ، ومع ذلك فجميع الصينيين ـ باستثناء سكان تايوان ـ يعيشون في دولة واحدة هي الصين الشعبية ، وهم الآن يتجهون نحو السيادة على العالم . وأيضاً ، فإن ألمانيا تحطّمت خلال الحرب العالمية الثانية ، وتم تقسيمها إلى أربعة أقسام ، واحد للولايات المتحدة ، وثانٍ لبريطانيا ، وثالث لفرنسا ، ورابع للاتحاد السوفيتي السابق ، ومن ثم وحّدت الدول الغربية الثلاث أقسامها في دولة ألمانية واحدة سميت "ألمانيا الاتحادية" . وظلت ألمانيا الشرقية على حالها دولة شيوعية تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي . وقد كان الألمانيون وخاصة في القسم الغربي الذي كان أكبر بكثير من القسم الشرقي ، يتألمون من هذا الواقع المؤلم الذي وزّع شعبهم على دولتين مختلفتين . ولذلك قرر الغربيون شراء وحدتهم من الاتحاد السوفيتي ، فقام المستشار الأسبق هيلموت كول في أواخر الثمانينات بالتفاوض مع سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي غورباتشوف على شراء ألمانيا الشرقية من أجل توحيد الألمانيتين ، وقد رفض غورباتشوف في البداية هذا الأمر ، لكنه وافق بعد أن دفعت ألمانيا الغربية خمسة عشر مليار مارك ثمن ألمانيا الشرقية . وعند ذلك انسحب الجيش الأحمر من شرق ألمانيا عام 1990 ، وتم تحطيم جدار برلين ، وعادت ألمانيا موحّدة . ولو لم يدفع الألمانيون ذلك المبلغ المالي الكبير ، لما كان بالإمكان تحطيم النظام الشيوعي الذي كان قوياً في ألمانيا الشرقية ، ولكانت ألمانيا اليوم مثل كوريا ، مقسّمة إلى دولتين . والواقع أن العرب اليوم بحاجة إلى دولة عربية تأخذ على عاتقها مهمة توحيد الأقطار العربية في دولة واحدة ، وذلك من خلال شراء المواقف الدولية ، كما فعلت ألمانيا . وهذا الأمر ليس بعزيز إذا ما توافرت النيّة الصادقة نحو هذا الهدف . وإذا لم يحدث ذلك ، فإن الخلافات سوف تزداد في هذه الأمة ، وقد يصل العرب إلى يوم لا يجدون فيه ما يجمع بينهم ، لأنهم سيكونون قد سقطوا في مهوى الطائفية والمذهبية والعرقية ، وهو ما تسعى إليه الآن قوى الشرّ العالمية .



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024