إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كي لا ننسى صفد

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-03-11

إقرأ ايضاً


صفد أو "عروس الجليل" هي درة فلسطين والشعاع المتسامي فوق جبال الجليل الأبيّة ، إنها قطعة من الزمرّد نسجتها أيدي الفينيقيين على تلة عالية ترتفع 838 متراً عن سطح البحر ، ومطلّة على الجهات الأربعة تقريباً ، فهي تمثل منبر الشعر والمحاسن بإطلالها على مرجعيون وصور من الجهة الشمالية ، وعلى بحيرة طبريا وغور بيسان من الجهة الجنوبية ، وعلى جبال "جوق" و "زبود" و "الجرموق" من الجهة الغربية . وقد تعرضت صفد مثل شقيقاتها مدن وقرى فلسطين الأخرى لعملية سطو مسلح قام بها شُذاذ الآفاق الصهاينة ، فذهب رونقها وشحب وجهها ويبس عودها ، وهي التي كانت مشرقة كالشمس ومورقة كالربيع بفضل ساكنيها العرب . فمع بدء المشروع الصهيوني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، بدأت الحركة الصهيونية تدفع اليهود في أوروبا للهجرة إلى فلسطين بدعوى أنها "أرض الآباء والأجداد" وكانت صفد منذ البداية مقصداً للمهاجرين اليهود لأنها ، في العُرف اليهودي ، إحدى المدن الأربع المقدسة ، وبالإضافة إليها ، كل من القدس والخليل وطبريا . وقد جاء إليها اليهود من بولونيا بكثرة حتى أصبحوا مع مطلع القرن العشرين يشكّلون نحو نصف سكانها البالغين آنذاك 12 ألف نسمة ، والباقي من العرب . وقد استولى هؤلاء اليهود بفضل الأموال التي كانت تأتيهم من البارون اليهودي روتشيلد ، على القسم الأعظم من تجارة صفد ، وأصبحوا المتحكمين في اقتصادها ، وكانوا يعملون ضمن مخطط الحركة الصهيونية العام لتهويد فلسطين. وقد كان العرب في صفد وفي باقي أنحاء فلسطين ، يرون ما يقوم به اليهود من جدّ واجتهاد لبناء المستعمرات وتجديد الأمة اليهودية وأدبياتها وعنعناتها . ولكنهم لم يكونوا قادرين على فعل شيء لأسباب عديدة أهمها وجود الدولة العثمانية التي كانت ترعى هذا النشاط الاستيطاني وفق أسلوب "ادفع الضريبة وافعل ما تشاء" . وأيضاً ، فإن السكان العرب ، وبسبب الثالوث المظلم ـ الفقر والجهل والمرض ـ كانوا يعيشون في أوضاع مزرية لا تسمح لهم بمقاومة من يغزو أرضهم . ومع ازدياد النشاط الاستيطاني الصهيوني في بدايات القرن العشرين ، ومع الدعم الذي لقيه هذا النشاط من المستعمر البريطاني لفلسطين ، فقد تهيّأ لليهود فرصة لإعلان دولتهم المشؤومة عام 1948 ، مما أدى إلى حدوث أكبر كارثة في تاريخ بني الإنسان على امتداده . فقد اضطر الشعب العربي في فلسطين الذي كان يسكن آمناً في قراه ومدنه، إلى الهجرة منها هرباً من الأوغاد الصهاينة الذين أثاروا الرعب في نفوس الأهلين بآلتهم الحربية الجهنمية ، وبعقليتهم الإجرامية المنفلتة من أي قيد . وقد ترك العرب صفد ، وتركوا قراها كالجاعونة والخالصة وترشيحا والحسينية وسعسع وميرون ، وتركوا مرابع صباهم على جسر بنات يعقوب بين نهر الشريعة وبحيرة الحولة . لقد ترك العرب فلسطين لتتحوّل تلك البلاد إلى وكر للغدر والظلم والاستعباد . لكن مهما فعل الغاصبون ، ستبقى صفد والحولة وطبريا لنا ، ستبقى عكا وحيفا وبيسان وعسقلان لنا ، لن يتهوّد وجه فلسطين ، ولن ينتهي الزمان العربي من تلك الديار المقدسة . أنتِ لنا يا فلسطين ، وللغزاة الصهاينة الذلّ والأفول .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024