إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل تنقذ الولايات المتحدة العالم ؟

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-09-28

إقرأ ايضاً


الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي باتت تنعكس بشكل سلبي على اقتصاد مختلف دول العالم . والسبب في ذلك هو تلك التوأمة بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي . فالعملة الأمريكية "الدولار" هي العملة العالمية التي تثبت على أساسها جميع العملات الأخرى . والآن بعد أن اختل توازن هذه العملة حدث تضخّم في أسعار السلع والخدمات في كل مكان ، وكلما ازدادت حدّة الأزمة الاقتصادية الأمريكية كلما ازداد حجم التضخّم في العالم . ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ، لماذا يتعيّن على جميع الشعوب أن تعاني من جراء انهيار الاقتصاد الأمريكي ، فهل من المنطق والعدل أن يحدث ذلك ؟. الواقع أن كل ما يُقال عن مفاهيم المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه الحضارة المعاصرة ما هو إلاّ كلام لدغدغة مشاعر الضعفاء والمساكين والشعوب المسحوقة . فآخر ما تفكر فيه القوى العالمية المتسلّطة هو إعطاء بُعد أخلاقي في علاقاتها مع الأمم الأخرى . فالشيء الأساسي عندها هو تحقيق الهيمنة بشكل دائم وحتى لو أدّى ذلك إلى حدوث الكوارث وانتشار الفقر والجوع في مختلف بقاع العالم . ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بهزيمة دول المحور "ألمانيا ، إيطاليا ، واليابان" وانتصار الدول الحليفة "الولايات المتحدة وبريطانيا" ظهر هذا الواقع العالمي الذي نعيش فيه . وهذا الواقع لم ينشأ من جراء تحقيق العدالة ، بل جاء بقوة السلاح والدمار وبعد أن قتل ستة ملايين إنسان في ألمانيا وبعد أن أحرقت مدينتان يابانيتان بالقنابل الذرية ، وقد ركّبت الدول المنتصرة هذا العالم على عجل وبما يتوافق مع استمرار تسلّطها . وكان أخطر ما أقدمت عليه هذه الدول هو جعل العملة الأمريكية "الدولار" عملة عالمية مكان الذهب . فأصبحت كل أوقية ذهب "Ounce" تساوي 35 دولار أمريكي . وكان الهدف من ربط الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي هو قطع الطريق على نشوء أية قوة أخرى معادية للولايات المتحدة وجمع كل ثروات العالم في اليد الأمريكية . لكن مسار الأحداث في العالم لم يأتِ كما يشتهي المخططون الأمريكيون ، لأن الاتحاد السوفيتي السابق استطاع أن يثير الزوابع في وجه اليهمنة الأمريكية . فحدثت الحرب الكورية بين عام 1950 و 1953 والتي اشتركت فيها الولايات المتحدة ولحقت بها خسائر هائلة من دون تحقيق أية نتيجة . ومن ثم اضطرت الولايات المتحدة أن تدفع مبالغ طائلة لدول أوروبا الغربية واليابان لمنع وقوعها في قبضة الشيوعية . وبعد ذلك تورّطت الولايات المتحدة في حرب فيتنام عام 1965 وظلت تقاتل حتى عام 1975 ، وخسرت الحرب وسحبت جيشها من هناك . وفي تلك الأثناء كانت الولايات المتحدة تدفع من دون حساب على المؤامرات التي كانت تدبّرها الاستخبارات الأمريكية لقلب هذا النظام المعادي أو ذاك في دول العالم . كما كانت تدفع لشراء ذِمم القادة والمسؤولين لضمان موقفهم إلى جانبها . وقد أدى هذا وسواه من أوجه الصرف الأخرى وغير المحسوبة إلى وقوع الاقتصاد الأمريكي في عجز كبير . وظل هذا العجز يتراكم سنة بعد أخرى ، ولم تبادر الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى معالجة ذلك الخلل في الاقتصاد خوفاً من أن تتغير نظرة العالم إلى الولايات المتحدة فتفقد مواقعها العالمية . ولكن إذا كان بالإمكان إخفاء المرض مدّة معيّنة، فإنه لا يمكن إخفاؤه بشكل دائم ، بل إنه سيظهر إلى العلن بعد انتشاره على كامل الجسد . وهكذا ظهر العجز في الاقتصاد الأمريكي بعد أن استفحلت مشاكل الخزينة ، فانخفض سعر صرف الدولار أمام العملات العالمية الأخرى ، وحدث تضخّم ليس في الولايات المتحدة فقط ، بل في العالم كله . ولا شك أن استمرار انهيار الدولار سيؤدي إلى فوضى اقتصادية على نطاق واسع في العالم نظراً للترابط بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي . لكن هل ستبادر الولايات المتحدة إلى إنقاذ العالم من خلال التخلي عن عملتها كعملة عالمية وإعادة الاعتبار للذهب ليقوم بهذه المهمة ، أم أنها ستستمر على هذا الموقف ؟. الواقع أن الولايات المتحدة لن تقبل أبداً أن تجـد نفسهـا قد تحوّلـت إلـى دولـة ثانوية وهي ، من دون شك ، ستتشبّث بوضعها الحالـي ، وإذا انهار الاقتصاد العالمي فعند ذلك ستقول : عليّ وعلى أعدائي يا رب .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024