إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الواقع السياسي العالمي وانهيار منظمة أوبك

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-18

إقرأ ايضاً


أعظم مأساة يعاني منها العالم اليوم الانهيار المالي الكبير للدولار ، وهو التحدي الأعظم والأخطر الذي لم يعرفه العالم من قبل . ويمكن أن تكون نقطة التحول الكبرى التي ستظهر بالأساس في تجلياتها السياسية المدمرة نتيجة الحروب التي أظهرت نوعية العنف المضاد وبؤرة النار المتأججة في قاع الظلمة الشبيهة بقاع جهنم ، ليُخرق شعاعها أنسجة الدول ، ويلتهم النخاع داخل العظام كالسرطان الخبيث المسعور المتلبس بميثاق إبليس في تكريس نوازع الإمبراطورية الإمبريالية وإخضاع الدول للسيطرة وفق مصالحها الاقتصادية والسياسية . ومن هذا المنطلق ، يأتي اقتراح الرئيس الإيراني لتأسيس مصرف مشترك للدول المصدرة للنفط من أجل استخدام عملة واحدة مشتركة في بيع النفط للدول المستهلكة. وأضاف أن مثل هذه الخطوة تحقق مصالح دول الأوبك وتطرح نفطها في السوق العالمية بالسعر الحقيقي لهذه المادة . ويأتي هذا المطلب الإيراني في وقت يشهد فيه الدولار الأمريكي انخفاضاً غير مسبوق ، مما أثّر بشكل ملحوظ على الدول المصدرة للنفط التي تبيع نفطها بالعملة الأمريكية . وبالتالي ، فإنها تتعرض لخسائر هائلة من جراء انخفاض هذه العملة أمام العملات الأخرى . فإذا كانت دولة نفطية ما يأتيها في اليوم ما مقداره (500) مليون دولار ، فهي في الحقيقة ، لا تقبض سوى نصف هذا المبلغ والباقي كله خسائر تتكبدها . لكن هل يمكن فك الارتباط بين النفط والدولار ، وما هو مستقبل منظمة أوبك ؟. الواقع أن الجواب عن هذا السؤال مرتبط بالواقع السياسي العالمي الذي رتبته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، وما تزال إلى الآن تمسك به وتحركه وفق أهوائها . وهذا الواقع هو الذي فرض الدولار كعملة عالمية تحدد على أساسها أسعار العملات الأخرى . وكانت منطقة الخليج والعراق وإيران قد أصبحت في النصف الثاني من القرن العشرين ، واعدة في إنتاج النفط ، وكانت هناك سبع شركات أوروبية تتولى إنتاج النفط وتسويقه حيث أصبحت آبار الخليج تؤمّن منذ أواخر الخمسينات نحو 23 في المئة من الإنتاج العالمي . وقامت الدول المصدرة للنفط في سبيل الحفاظ على مصالحها ، بإنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط /أوبك/ عام 1960 . وقد ظل وجود هذه المنظمة بلا قيمة بسبب قلة استهلاك النفط آنذاك لضعف نمو الاقتصاد العالمي . وعندما حدثت حرب أكتوبر عام 1973 ، قامت الدول العربية بقطع النفط عن الدول الغربية الداعمة لإسرائيل ، فحصل نقص شديد في إمدادات الطاقة في السوق العالمي ، وتبع ذلك قيام الدول العربية النفطية بعملية إصلاح من خلال طرد الشركات النفطية الأوروبية ووضع اليد على الثروة النفطية ، وقد ارتفعت أسعار النفط عدّة أضعاف عما كانت عليه . وفي تلك الأثناء ، كان الطلب العالمي على النفط يتزايد مع تحول دول أوروبا الغربية واليابان إلى دول صناعية كبيرة بعد أن كانت الولايات المتحدة تنفرد بالصناعة بسبب الدمار الذي لحق بأوروبا واليابان من جراء الحرب العالمية الثانية . ومع ازدياد أسعار النفط ، كان الدولار يحقق نمواً مطرداً ، ويزداد بالتالي تفوّق الاقتصاد الأمريكي على غيره من الاقتصادات الأخرى الصاعدة . وكان يتعين على مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي أن يطبع مزيداً من الدولارات كل يوم لتأمين الحاجة المتنامية إلى العملة الأمريكية في الأسواق العالمية . وفي عام 1979 ، حدثت الثورة الإيرانية وخرجت إيران من تحت السيطرة الأمريكية . وقد شكّل خروج إيران ضربة كبيرة للولايات المتحدة لما تمثله إيران من قوة نفطية كبيرة . لكن مع ذلك لم يتأثر الدولار لأن إيران كانت مضطرة لبيع نفطها به التزاماً منها بالمبدأ المعمول به في أوبك ، كما أنها ظلت تلتزم بسياسة المنظمة التي تساير الرغبة الأمريكية بخصوص العرض والطلب . وفي عام 1990 ، قام العراق بغزو الكويت ، فوقعت منظمة أوبك في أزمة كبيرة لأن العراق والكويت عضوان فيها ، وسرعان ما حسمت خيارات هذه المنظمة لصالح الكويت ، حيث وقفت إلى جانب إخراج القوات العراقية من الكويت والتزمت بنظام العقوبات الدولية الذي فرضته الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى في مجلس الأمن على العراق . وتم تجميد عضوية العراق في أوبك لأنه لم يعد حراً في بيع نفطه ، بل تم إلزامه ببيع النفط من خلال برنامج "النفط مقابل الغذاء" . وفي ردّ فعل من الحكومة العراقية على استمرار العقوبات الدولية المدعومة أمريكياً على العراق ، قامت الحكومة العراقية عام 2002 بالتخلي عن بيع النفط بالدولار واستبدلته باليورو ، وخشيت الولايات المتحدة من أن تحذو دول أخرى حذو العراق ، فقامت بالإسراع بالعدوان عليه عام 2003 ، فدمّرت الدولة العراقية وسقط العراق في يدها . وكانت فنزويلا العضو في منظمة أوبك ، قد خرجت أيضاً عن السيطرة الأمريكية بعد وصول الرئيس هوغو شافيز إلى الحكم فيها عام 1999 ، وأصبحت هذه الدول تتبنّى سياسات لا تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة . وحصل تلاقٍ بين فنزويلا وإيران وتوطّدت العلاقات بينهما بما يخدم مصالحهما في تقويض الهيمنة الأمريكية العالمية. ومع انهيار الدولار بسبب الديون المتراكمة على الخزينة الأمريكية والتي بلغت نحو 353 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي ، فإن دول أوبك كانت أول الخاسرين من وراء ذلك . لكن دول الخليج العربية أعلنت رغم ذلك ، التزامها بسياسة ربط عملاتها بالدولار ، وبالتالي ، ببيع نفطها بالدولار . ولا شك أن اقتراح الرئيس الإيراني أحمد نجاد لن يجد آذاناً صاغية عند الدول النفطية ، وربما لن تستجيب له سوى فنزويلا . ولا شك أن التباين في المواقف السياسية بين دول أوبك ، سيدفع بهذه المنظمة إلى الانهيار ، لأنها أصبحت في عصر انهيار الدولار عقبة وليس وسيلة للحفاظ على حقوق الدول المنتسبة إليها .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024