إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الولايات المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-07-27

إقرأ ايضاً


ذكرت صحيفة "ترود" البلغارية أن وزارة الدفاع البلغارية أكدت أن الجنود الأمريكيين الذين سيرابطون في بلغاريا لن يتمتعوا بحق عدم التسليم إلى المحكمة الجنائية الدولية . وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من بلغاريا في ديسمبر عام 2003 أن توقع معها اتفاقية حول عدم تسليم المواطنين الأمريكيين إلى المحكمة الجنائية الدولية الأمر الذي قوبل برفض واضح . وكانت بلغاريا قد أصبحت بعد الحقبة الشيوعية من أوثق حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الشرقية ، فقد شاركت بلغاريا في الائتلاف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في الحرب على العراق. وهناك توجّه أمريكي لضمّ بلغاريا إلى حلف شمال الأطسي ، وهناك توجّه أمريكي أيضاً لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في بلغاريا خاصة أن بلغاريا مطلة على البحر الأسود وقريبة من روسيا العدو التقليدي للولايات المتحدة . وتريد الولايات المتحدة أن تضمن أن جنودها الذين سيتواجدون في بلغاريا لن يتعرضوا للمساءلة القانونية أمام محكمة الجنايات الدولية عن أية اتهامات قد توجّه إليهم . لكن بلغاريا رفضت توقيع أية معاهدة مع الولايات المتحدة بخصوص عدم تسليم مواطنين أمريكيين إلى هذه المحكمة . وقد كان هذا تصرفاً ذكياً من بلغاريا التي تطمح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، وهي لا تريد الالتزام بأية معاهدة قد تضر بمفاوضاتها مع هذا الاتحاد للوصول إلى العضوية الكاملة فيه . وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تنادت عام 1994 ، إلى إنشاء قضاء جنائي دولي ، بعد تجربة إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 808 لعام 1993 ، وإنشاء محكمة مماثلة لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا بقرار من مجلس الأمن أيضاً رقم 955 لعام 1994 . وقد كلّفت الجمعية العامة لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة بإعداد مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية . وما لبثت هذه اللجنة أن قامت بإعداد هذا المشروع وقدمته إلى الجمعية العامة عام 1995 ، وقامت الجمعية العامة بإنشاء لجنة خاصة لمناقشة القضايا الموضوعية في هذا المشروع ، وقد عقدت اللجنة اجتماعاتها طوال عام 1995 . وفي عام 1996 قررت الجمعية العامة تبديل اللجنة الخاصة باللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، وقد كلّفت هذه اللجنة بإعداد نصّ موحّد لمشروع النظام الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وتقديمه إلى مؤتمر للمفوضين الدبلوماسيين يعقد في روما بإيطاليا بدعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة . وقد انعقد المؤتمر عام 1998 ، وعرضت عليه اللجنة التحضيرية المشروع الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، وقد وافق المؤتمر عليه . وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية وفق النظام الأساسي لها ، هيئة دائمة مقرها في لاهاي بهولندا ، لها السلطة لممارسة اختصاصاتها على الأشخاص إزاء أشدّ الجرائم خطورة ، وهذه الجرائم المنصوص عليها في المادة الخامسة من النظام الأساسي هي : جريمة الإبادة ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجريمة الحرب ، وجريمة العدوان . وتمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم ، إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام لدى المحكمة حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت ، ويمكن أن تتم الإحالة من مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من نظامه ، كما أن للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة . وكانت 139 دولة من بينها 13 دولة عربية قد وقّعت على النظام الأساسي قبل 31 كانون الأول/ديسمبر عام 2000 ، وهو آخر موعد للتوقيع . وابتداءً من عام 2002 باشرت محكمة الجنايات الدولية عملها ، وكانت دول الاتحاد الأوروبي من أكثر الدول في العالم دعماً لإنشاء هذه المحكمة ، وربما لولا هذا الدعم لما أمكن لهذه المحكمة أن تخرج إلى حيز الوجود ، وقد صادقت الولايات المتحدة على النظام الأساسي للمحكمة ، لكنها أسرعت وسحبت هذا التصديق ووقفت موقفاً معادياً من إنشاء هذه المحكمة ، وهذا الموقف الأمريكي يناقض بشكل صارخ ادعاءات الولايات المتحدة بأنها رائدة العالم الحرّ وأنها تسعى إلى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم . فلو كانت الولايات المتحدة صادقة في ادعاءاتها تلك لما تحدّت إجماع المجتمع الدولي على إنشاء هذه المحكمة ، بل لكانت أول الموقعين على إنشائها . لكن الولايات المتحدة لديها مشروعها الخاص في العالم ، فهي تسعى لبسط هيمنتها على الدول المختلفة ، ولو كان ذلك بقوة السلاح ، وهي في مسعاها هذا قد تضطر إلى الاعتداء على دولة مستقلة أو أكثر ، كما فعلت بالنسبة للعراق عام 2003 ، وكما قد تفعل ضد سوريا أو إيران أو سواهما . ولا شك أن اعتراف الولايات المتحدة بهذه المحكمة سوف يمنعها من شنّ الحرب والعدوان على الدول الأخرى، ولذلك فهي لم تعترف بها كي تحرر نفسها من أية مسؤولية عالمية ، ولم تكتفِ الولايات المتحدة بعدم الاعتراف بهذه المحكمة ، بل بدأت تسعى لدى دول العالم ، وخاصة لدى الدول النامية لتوقيع اتفاقيات ثنائية معها تمتنع هذه الدول بموجبها عن تسليم أي أمريكي مطلوب للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية ، موجود على أرضها . والواقع أن عدم اعتراف الولايات المتحدة بهذه المحكمة سوف يفقدها الكثير من القوة ، وذلك نظراً لقوة الولايات المتحدة في العالم . ونظراً لأن العدالة الدولية لن تتحقق بشكل كافٍ طالما ظل هناك في العالم من يستطيع الإفلات من سطوتها ، وقد يزيد وجود هذه المحكمة من الظلم الموجود اليوم ، خاصة أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمحكوم من قبل الولايات المتحدة يستطيع أن يحيل من يشاء من مسؤولي الدول الصغيرة في العالم للمثول أمام هذه المحكمة ، وهو ما حدث مؤخراً، عندما أصدر هذا المجلس قراره رقم 1593 والقاضي بإحالة مجموعة من المسؤولين السودانيين إلى هذه المحكمة . وهكذا ، فإن هذه المحكمة سوف تتحول إلى أداة في يد الولايات المتحدة تستخدمها للانتقام من أعدائها في العالم ، في الوقت الذي تبقى هي بعيدة عن متناول يد هذه المحكمة . وليت دول العالم تمتنع عن توقيع اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة بخصوص هذه المحكمة ، كما فعلت بلغاريا ، لأنه لو حدث ذلك ، فستجد الولايات المتحدة نفسها معزولة ، وقد تضطر في النهاية إلى الاعتراف بوجود هذه المحكمة .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024