إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لبنان والدولة المؤجلة التنفيذ

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-19

إقرأ ايضاً


لم تكن الأحداث المؤسفة التي يمر بها لبنان وليدة اللحظة ، ولم تكن بسبب رغبة فريق من اللبنانيين في السيطرة على الآخرين ، بل هي نتيجة مباشرة لتركيبة لبنان الهشّة وغير القائمة على أسس ثابتة . فهذا البلد الذي أوجده المحتل الفرنسي وحشر فيه أكبر نسبة من مسيحيي سوريا ، كان الهدف منه أن يكون وطناً للمسيحيين من خلال ارتقاء هذا النموذج وانجذاب المسيحيين من أنحاء سوريا الأخرى إليه وخروج المسلمين الموجودين فيه إلى التجمعات الإسلامية خارجه . وقد رسم المحتل الفرنسي حدود هذا البلد بعناية حيث تحرى عن الوجود المسيحي وأدخله فيه وبناء على هذا الأساس ، قام بتقسيم سهل عكّار إلى قسمين ، حيث قام بضمّ القسم الذي فيه غالبية مسيحية إلى لبنان . أما القسم الآخر الذي فيه غالبية علوية فإنه جعله ضمن الدولة العلوية التي أقامها في اللاذقية ، ولكنها لم تستمر في الوجود. وقد جرى على هذا المنوال تحديد حدود لبنان ، وكانت بريطانيا ، بناء على رغبة اليهود ، قد طالبت بضمّ عامل الذي هو امتداد لجبال الجليل إلى دولة فلسطين ، لكن فرنسا أصرّت أن يكون هذا الجبل الذي يضمّ غالبية شيعية وأقلية مسيحية وسُنية ضمن حدود لبنان ، لكي تضمن لهذه الدولة الاستمرار لأن ضمّ هذا الجبل جعل حجم لبنان كبيراً بالنظر إلى مساحة هذا الجبل التي تمثل أكثر من ثلث مساحة لبنان البالغة عشرة آلاف كيلومتر مربع . وكان من المقرر أن يسير المشروع المسيحي في لبنان إلى غايته ، بيد أنه تقهقر وسقط سريعاً بسبب قصر فترة الوجود الفرنسي في لبنان . إذ لم تكد فرنسا تبني هذا البناء حتى دهمتها الحرب العالمية الثانية وسقطت أمام الجحافل الألمانية عام 1940 . وأصبحت مستعمراتها تحت سيطرة ألمانيا ، ومن ثم اضطرت فرنسا إلى إعطاء هذه المستعمرات الاستقلال بضغط من الولايات المتحدة . فاستقل لنبان عام 1946 ، رغماً عن إرادته لأن معظم مسيحييه لم يكونوا يريدون الوصول إلى هذه المرحلة ، لأنهم فجأة ، وجدوا أنفسهم أمام مصير جديد يحتّم عليهم الوصول إلى تفاهمات مع الطوائف الإسلامية الموجودة التي أخذت تعلن عن نفسها . ورغم ظهور ما يسمى رجال الاستقلال الذين كانوا يمثلون الطوائف اللبنانية الكبيرة ، لكن التفاهمات التي حصلت بين هؤلاء لم تكن كفيلة بوضع أسس ثابتة للمرحلة الجديدة . وهكذا ، حدثت مشاكل متتالية منذ عام 1948 إلى أن وقعت الحرب الأهلية عام 1975 التي أدّت إلى انهيار الدولة اللبنانية بالكامل وشيوع الفوضى . وخافت سوريا من أن يتعرض أمنها للخطر من جراء تلك الحرب بسبب الصلات الوثيقة التي تجمع بين الشعبين اللبناني والسوري . فتدخلت في لبنان لوقف الحرب خوفاً من أن تصل نيرانها إليها . ولم يعجب هذا التدخّل السوري إسرائيل التي رأت أن عليها التدخّل أيضاً لمنع سوريا من الإنفراد بالساحة اللبنانية . فحدث الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 فتعقّدت الأزمة وزادت حدّتها وكان الخاسر الأول والأخير لما جرى هو الشعب اللبناني وبالأخص المسيحيين الذين فقدوا قيادة لبنان . وقد ظهرت المقاومة اللبنانية كردّ فعل على الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان . واستطاعت هذه المقاومة أن تدحر المحتل الإسرائيلي من معظم أراضي الجنوب عام 2000 . وقدمت بهذا النصر الأمل للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية في إمكانية دحر الصهاينة وتحرير فلسطين . وبسبب ذلك النصر ، فقد أصبحت هذه المقاومة عدواً للولايات المتحدة الراعي الرسمي لإسرائيل . وحاولت الإدارة الأمريكية إغراء سوريا لتقبل نزع سلاح المقاومة خلال وجودها في لبنان ، لكنها رفضت ، وكان هذا الرفض السبب المباشر لصدور القرار الدولي رقم 1559 ، والذي طالب سوريا بالخروج من لبنان . وجاء اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في فبراير 2005 ، ليعجّل بخروج الجيش السوري وترك لبنان لمصيره . ولعب تيار المستقبل دوراً كبيراً في جرّ معظم الطائفة السُنية في لبنان لتأييد مواقفه العدائية ضد سوريا. وتقاطعت مواقف هذه التيار مع الموقف الأمريكي وبعض المواقف العربية لمحاصرة سوريا وتدمير النظام فيها وأيضاً القضاء على المقاومة في لبنان . واستمرت عمليات الشحن والتحريض في لبنان إلى أن أصدرت الحكومة التي تمثل فريق 14 شباط قراريها الأخيرين يوم 7/5/2008 وبالأخص القرار الذي يطالب بتفكيك شبكة اتصالات حزب الله . ولم يحتمل حزب الله هذا القرار ، فتحرّك للقضاء على مصدر الخطر الذي يتربّص فيه والمتمثل بمليشيات تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والتي سقطت سريعاً في بيروت والجبل ، وانهدم مشروع 14 شباط ، وأصبح لبنان على أعتاب مرحلة جديدة .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024