إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

عقوبة الإعدام والواقع السياسي الدولي

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-01-27

إقرأ ايضاً


تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18/12/2007 قراراً يدعو إلى تأجيل تنفيذ أحكام الإعدام تمهيداً لإلغاء هذه العقوبة إلغاءً تاماً . وينص القرار على أن تطبيق عقوبة الإعدام يسيء إلى كرامة الإنسان ، وأن كل خطأ قضائي في تطبيقها لا يمكن إصلاحه . والواقع أن إصدار هذا القرار يعكس الرغبة العالمية في إلغاء عقوبة الإعدام من منطلق أنها غير أخلاقية وتعبّر عن عصور الجهل وانعدام التسامح التي مرت بها البشرية في الماضي حيث كان الإعدام وسيلة للتشفي ممن يرتكبون جرائم بحق المجتمع والدولة . وقد تعددت طرق تنفيذ الإعدام بين الشعوب ، وكانت معظم هذه الطرق مؤلمة للغاية ومنها ، الوضع على الخازوق ، وصلب المجرم ومن ثم إحراقه وهو حي على الصليب ، وقطع الأطراف على التوالي في فترات متباعدة ومن ثم قطع الرأس إلى آخر ما هنالك من وسائل تعذيب وقتل حديثة مثل "الحقن المميت" المتبع في بعض الولايات الأمريكية الذي طالبت المحكمة العليا الأمريكية مؤخراً بالنظر في مدى قانونيته وتلاؤمه مع الدستور الأمريكي الذي يمنع أشكال العقاب القاسي، في خطوة يمكن أن تؤدي إلى تجميد عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. وعندما حدثت النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، ظهر مفكرون أوروبيون، وعلى رأسهم الإيطالي "لومبروز"، تناولوا ظاهرة الإجرام وحللوا شخصيات المجرمين وتوصلوا إلى قناعات مفادها أن المجرم هو إنسان غير سوي ومريض، ولو لم يكن كذلك لما أقدم على ارتكاب الجريمة وهو يعلم أن ثمة عقاباً بانتظاره . وقد طالب هؤلاء بإلغاء عقوبة الإعدام بحق المجرمين ، وأن يوضعوا في مؤسسات إصلاحية لتأهيلهم وتعليمهم مهناً معينة ليعيشوا منها أسوياء مثل غيرهم من أبناء المجتمع الآخرين . وما لبثت هذه الأفكار أن وجدت طريقها إلى التطبيق في الدول الأوروبية ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ وضعت هذه الدول قوانين عقابية تجعل عقوبة السجن المؤبد أقصى عقوبة قد تنزل بالمجرم ، وتمّ شطب عقوبة الإعدام تماماً . وقد تأثر المشرّعون في الدول العربية بالفكر الغربي عندما وضعوا القوانين العقابية ، لكنهم لم يستطيعوا إلغاء عقوبة الإعدام من هذه القوانين خوفاً من قطع الصلة نهائياً مع التشريع الإلهي الثابت بالنص القرآني . ذلك أن مبدأ القصاص أساسي في الدين الإسلامي وقد نصّت عليه الآيات الكريمة التالية :"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى" آية 178/البقرة . وأيضاً "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" آية 179/البقرة . ومبدأ القصاص يعني أن لكل جريمة عقوبة مهما كبرت أو صغرت هذه الجريمة ، وهناك من البشر من يأتيهم القصاص في أنفسهم عن جرائمهم التي اقترفوها بحق الله أو بحق غيرهم من البشر ، حيث يبتلى بالأمراض التي تعد من وجهة نظر الدين الإسلامي ، عقوبة أو تمحيصاً لذنوبهم . وأيضاً ، فإن الله تعالى أعطى ولي الأمر حق الانتقام من الجاني ، كما جاء في الآية الكريمة :"ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" آية 33/الإسراء . والله سبحانه وتعالى ، أجاز قتل القاتل على أن يكون هذا القتل من قِبل ولي الأمر ، وهو هنا سلطة المجتمع أو الدولة . كما أن هذه السلطة مقيّدة بقتل الجاني فقط وليس قتل أبيه أو أخيه. وذلك منعاً من دخول المجتمع الإسلامي في دائرة الثأر . ولهذا لم يستطع المشرّعون العرب إلغاء عقوبة الإعدام ، ولكنهم ضيّقوا في تنفيذها واشترطوا أن يتوافر عنصر العمد عند الجاني ، وهذا العنصر يعني أن يقوم الجاني بتتبع ورصد المجني عليه لفترة طويلة ، ومن ثم الإجهاز عليه عندما يتأكد من أنه بات قادراً على قتله . ولا شك أنه يصعب كثيراً إثبات العمد ، وبالتالي يتحول الجرم من العمد إلى القصد ، وعقوبة هذا الأخير السجن المؤبّد . لكن بالرغم من النص على عقوبة الإعدام في القوانين العقابية في الدول العربية ، إلاّ أن هذه الدول غير مولعة بتطبيق هذه العقوبة ، وفي كثير من الحالات لا يوافق ولي الأمر وهو هنا الرئيس أو الملك، على الإعدام أو يؤجل تنفيذه . ولا يتم إيقاع الإعدام إلاّ بالأشرار الخطيرين الذين تتعدد جرائمهم بحق المجتمع . ولا شك أن الاتجاه العالمي الراهن لإلغاء عقوبة الإعدام سوف يضع العرب والمسلمين أمام تحدٍ خطير لعقيدتهم ، فهم إن وافقوا على الإلغاء فإنهم يكونون قد تجاوزوا النصّ الإلهي وجعلوا هذا النص وراء ظهورهم . وإن هم لم يوافقوا على الإلغاء ، فإنهم سيجدون أنفسهم وسط مجتمع دولي لا يعترف بعقوبة الإعدام.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024