إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الاتحاد من أجل المتوسط أم المتوسط من أجل الاتحاد

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-04-20

إقرأ ايضاً


أقرّ قادة الاتحاد الأوروبي مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي قدمته فرنسا ، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ، خصوصاً مع دول المغرب العربي ، وذلك في ختام قمتهم التي انعقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل في 14/3/2008 . وبداية لا بدّ من التساؤل ، هل هذا الاتحاد هو من أجل المتوسط ، أم أن المتوسط هو من أجل الاتحاد ، أي بمعنى آخر ، لو لم يكن البحر المتوسط جامعاً لدول أوروبا مع دول المغرب العربي . فهل كان الأوروبيون يفكرون بالتعاون مع هذه الدول ، أي لولا المصالح التي يراها الأوروبيون ضرورية لحياتهم ، فإنهم لن يقدموا على مدّ اليد لدول عربية لا تربطهم بها أية روابط لا تاريخية ولا دينية ولا لغوية ولا اقتصادية أو سياسية سوى الرابطة الإنسانية التي لا يعترف بها أقوياء عالم اليوم ، ومنهم دول الاتحاد الأوروبي . والواقع ليست هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها الأوروبيون للتلاقي مع دول الشاطئ الجنوبي من المتوسط . فقد سبق ذلك المنتدى الأوروبي ـ المتوسطي الذي انعقد في مدينة برشلونة الإسبانية عام 1995 . وأقرّ اتفاقاً يقضي بتطوير التعاون مع الدول العربية المتوسطية ، وسرعان ما خبا وهج هذا المنتدى حتى انطفأ بالكامل . وذلك لأن الأوروبيين كشفوا للدول العربية وخاصة لدول المغرب مرادهم الحقيقي من وراء تقاربهم معها ، والذي يتمثل في تحويل هذه الدول إلى حارس لأمن القارة الأوروبية ولاسيما تجاه المهاجرين غير الشرعيين الذين يجيئون من مختلف أنحاء قارة أفريقيا ، ويتسللون عبر الثغور المغاربية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي ، ويشكلون عبئاً ثقيلاً بأعدادهم المتزايدة على السكان الأوروبيين والاقتصاد الأوروبي . كما أن الأوربيين وكعادتهم ، بدأوا يتدخلون في الشؤون الداخلية لدول المغرب ويفرضون على هذه الدولة أو تلك نماذج ما يدعون أنه من أجل تعزيز الحرية والشفافية في هذه الدول للنهوض بها كي تصل إلى مرحلة يمكنها فيها الانسجام مع الاتحاد الأوروبي . وكانت هذه الأفعال وسواها سبباً لدفع دول المغرب إلى عدم الاكتراث بمنتدى برشلونة مما أدى إلى انتهائه . لكن الأوروبيين المفطورين على حبّ التسلّط على الشعوب المستضعفة ومنها الشعوب الأوروبية ، لم يستطيعوا تحمّل ابتعاد الدول العربية المغربية عنهم لا لحبهم لها ، بل لكي تبقى تحت سيطرتهم وهيمنتهم . ولهذا ، أعادت دول الاتحاد الأوروبي تجديد مبادرتها تجاه دول المغرب باسم "الاتحاد من أجل المتوسط" . وقطعاً أن هذه المبادرة لن يكون لها سوى حظ سابقتها ، ولن ينجح الأوروبيون في تطوير علاقاتهم مع دول العالم العربي إلاّ إذا غيّروا طرائق تفكيرهم ، وتعاملوا مع الشعوب العربية على أنها شعوب تستحق الحياة ، وليس مجرّد قطعان تقودهم العقول الأوروبية . والأوروبيون ما زالوا إلى الآن لا يقيمون وزناً للعرب ، والدليل على ذلك أنهم يدعمون من غير حدود إسرائيل ، ويفعلون كل ما من شأنه إبقاء العرب في حالة من التشرذم والانقسام والفقر والتخلّف . ولن ينجح العرب في الخروج من تحت رحمة أوروبا والغرب إلاّ إذا اتجهوا لتحقيق اتحاد حقيقي فيما بينهم وبنوا دولة واحدة من الخليج إلى المحيط . ومثل هذه الدولة العربية الكبيرة كفيلة بصيانة حاضر ومستقبل الشعوب العربية . وإلى أن تقوم هذه الدولة العربية الجامعة ، فإن التفكير الأوروبي لن يتغير تجاه الدول والشعوب العربية ، وستبقى العلاقة بين جانبي المتوسط يكتنفها الغموض وتسيطر عليها الريبة ، وسيبقى سيل المهاجرين متدفقاً إلى أوروبا ، ولن يولد الاتحاد من أجل المتوسط ، ولن تموت حرية وإرادة العرب .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024