إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مسرحية المبادرات بين الحقائق والأوهام

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-11-18

إقرأ ايضاً


منذ النشأة المشؤومة لدولة إسرائيل عم 1948. لم تنفك دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة عن طرح ما يسمى المبادرات لحل أزمة الصراع بين العرب وإسرائيل، وجاء إلى الدول العربية وإلى الكيان الصهيوني عشرات بل مئات المبعوثين في مهمات سلامية، وكان العرب يأملون مع كل مبعوث جديد أن يتم التوصل إلى حل مرضٍ لهم يعيد إليهم شيئاً من الحقوق المغتصبة في فلسطين، لكن سرعان ما كانت آمالهم تخيب عندما يعلمون أن ذلك المبعوث إنما جاء لينقل إليهم فقط إملاءات واشنطن وتل أبيب، لا ليحلّ عقد المشكلة المستفحلة، وكان من أبرز نشطاء السلام وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، ومن ثم الأمريكي العربي فيليب حبيب، ومن ثم الأمريكي دينس روسي وبينهما الكثير، وصولاً إلى وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية كونديليزا رايس وما أدراك ما رايس، وهذه الأخيرة قامت بجولة مؤخراً على مجموعة من الدول العربية /المعتدلة/ بالإضافة إلى إسرائيل ودعت الجميع إلى التجهز لحضور المؤتمر الذي يريد بوش عقده في أمريكا في هذا الخريف، ومؤتمر بوش العتيد هو آخر مبادرات السلام حتى الآن، ويعلق عليه بعض العرب آمالاً كبيرة مع أن الإدارة الأمريكية لم تضع لهذا المؤتمر جدول أعمال ولم توضح ما إذا كان الهدف منه صنع السلام بالفعل أم بالكلام واللقاءات الثنائية فقط، وقطعاً لن يكون هذا المؤتمر آخر المطاف، بل سيظل سيل المبادرات متدفقاً وسيظل العرب ينتظرون وصول قطار السلام إلى محطتهم، وهو حتماً لن يأتي، ولا شك أن المبادرات السلامية الغربية هي إستراتيجية قائمة بذاتها تهدف إلى تأصيل وجود إسرائيل في المنطقة العربية، وإلى ذرِّ الرماد في عيون العرب وقطع الطريق أمامهم سواءً أكانوا يريدون السلام مع إسرائيل أو الحرب ضدها، وهذه الإستراتيجية تنفذ بالتنسيق مع إسرائيل ومن أجل مصلحتها، وهي تعمل على استبعاد السلام في الوقت الحالي، لأنه لا يخدم أهداف إسرائيل التي ما تزال دويلة صغيرة وإذا حدثت تسوية مقبولة من قبل العرب فإن السلام سوف يعمّ وسيجد اليهود أنفسهم آنئذٍ وسط محيط كبير من العرب ومع مرور الوقت ستذوب عنصريتهم وقد يتحولون إلى مجموعة بشرية صغيرة لا وزن لها ولا قيمة، وأيضاً فإن تلك الإستراتيجية تعمل على منع العرب من محاربة إسرائيل، لأنهم أقوى منها وأية حرب بينهما ستؤدي بلا ريب إلى تدير وجودها، ولذلك تسعى إسرائيل بالتعاون مع حلفائها الغربيين إلى الإبقاء على حالة اللاحرب واللاسلم إلى أن يحين الوقت لتختار هي أحد الطريقين، وفي ظل هذا الوضع يستمر قدوم وفود السلام الغربية إلى المنطقة العربية، وكلما ذهب وفد جاء وفد آخر مكانه وهم لا يتعبون من الرواح والمجيء ولا من تكرار نفس الكلام على مدار الأيام والسنين، لكن الذي تعب وشبع تعباً وعذاباً وانتظاراً هم الفلسطينيين والعرب لأنهم هم الضحية وهم كبش الفداء لتلك المحرقة التي أشعلها الغرب في فلسطين، فمع كل يوم يمرّ تقضم إسرائيل المزيد من الأرض الفلسطينية وتعتقل وتشرد مئات الفلسطينيين وإذا أطلق الفلسطينيون صاروخاً محلي الصنع من قطاع غزة نحو مستوطنات الصهاينة في النقب المجاور، يرسل الصهاينة طائرات أف 16 لتدمير المنازل وقتل الأبرياء في مدن القطاع، وشتان ما بين حجم الدمار الذي يخلفه صاروخ بدائي الصنع وبين حجم الدمار الذي تسببه القنابل الذكية الأمريكية ذات الأوزان الضخمة، ولم يعد في مآقي الشعب الفلسطيني دموع حتى تنسكب، ولم يعد في قلوبهم سوى الخوف والوجل من مستقبل لا يحمل لهم سوى المآسي المستمرة، لكنهم ورغم حجم المؤامرة التي ارتكبها الغربيون بحقهم وبحق إخوانهم العرب، فإنهم منزرعون ومرابطون في مدنهم وقراهم، وهم يعلمون أن الغربيين لن يجلبوا لهم السلام حتى ولو ادّعوا ذلك، لكنهم يأملون أن يعي إخوانهم العرب ولا سيما المعتدلون منهم هذا الأمر، فيقلعون عن انتظار وصول المبعوثين، بل يبعثون برؤوس من يأتي منهم إليهم إلى دولهم في رسالة لا تخفى على كلِّ ذي لب.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024