إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

زيمبابوي وصراع الوجود

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-04-13

إقرأ ايضاً


أعلن زعيم حركة التغيير الديمقراطي المعارضة في زيمبابوي مورغن تسفانجيراي فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 29 مارس 2008 ، داعياً الرئيس روبرت موغابي إلى الحوار وإلى انتقال سلمي للحكم . وكانت لجنة الانتخابات أعلنت فوز كل من الحزب الحاكم والمعارضة بثلاثين مقعداً لكل منهما في مجلس الشيوخ من أصل مقاعده الستين . وقد رفض الرئيس موغابي أقوال المعارضة حول فوزها في الاستحقاق الانتخابي ، وأصدر أمراً بإجراء جولة انتخابات ثانية في البلاد . ويطرح هذا التجاذب الكبير بين الحكومة والمعارضة أسئلة حول مستقبل هذه الدولة الأفريقية الفقيرة التي ما تزال تتخبّط في المحن منذ أكثر من مئة عام ، والسبب في ذلك هو الاستعمار الاستيطاني البريطاني الذي استباح تلك الديار واستملكها وحوّل أهلها إلى عبيد لديه . وينتمي شعب زيمبابوي إلى عرق البانتو الذين أنشأوا مملكة قوية في القرون الوسطى . وبموجب مؤتمر برلين الذي انعقد بين عامي 1884 ـ 1885 والذي ضمّ دول أوروبا الغربية وكان مخصصاً لتقسيم أفريقيا بين هذه الدول ، أصبحت مملكة البانتو من نصيب بريطانيا التي استعمرتها عام 1888 وأسمتها "روديسيا" . ومن ثم في عام 1911 قسّمتها إلى قسمين "روديسيا الشمالية" التي أصبحت زامبيا فيما بعد ، و "روديسيا الجنوبية" التي أصبحت زيمبابوي عام 1980 . وقد دفعت وزارة المستعمرات البريطانية أعداداً كبيرة من الإنجليز للاستيطان في روديسيا ولاسيما في القسم الجنوبي منها . وخلال فترة قصيرة أصبح للمستعمرين الإنجليز مستعمرات وامتلكوا ثمانين في المئة من أراضي زيمبابوي ، وأنشأوا عام 1923 حكومة بيضاء محلية خاضعة للتاج البريطاني ومربوطة به . وكان المستعمرون يزرعون الأراضي بمحاصيل زراعية مثل قصب السكر والبن والقمح والذرة ، ويستخدمون السكان الأصليين في عمليات الحفر وجني المحصول . وعندما انهارت الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية ، انكشف الغطاء عن أولئك المستعمرين الإنجليز في روديسيا لأن العالم بقيادته الأمريكية الجديدة ، اتجه إلى تصفية الاستعمارين البريطاني والفرنسي من العالم ، لا حبّاً من الولايات المتحدة بالشعوب المستضعفة والمقهورة ، بل لأن عهد الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية قد انتهى . وهكذا ، استقلت دول كثيرة في أفريقيا وآسيا ، وكان الاتحاد السوفيتي السابق يسعى إلى نشر دعايته الشيوعية في جميع أنحاء العالم ومنه قارة أفريقيا . وظهرت مجموعات شيوعية في أماكن متفرقة من القارة ، وظهرت معها حركات مقاومة ضد المستعمرين الأوروبيين ، وقد وصلت شرارة الثورة إلى الشعب الأفريقي المسحوق في روديسيا ، فظهرت فيه حركة مقاومة عام 1967 اتخذت شكل حرب العصابات ، وبرز روبرت موغابي قائداً لهذه المقاومة ، وشكّل حزباً أسماه "زانو" . ولم تستسلم الأقلية البيضاء الإنجليزية المتحكمة ، بل اندفعت لملاحقة الثوار وقتلهم والاقتصاص من ذويهم على شاكلة ما تقوم به إسرائيل اليوم ضد الشعب الفلسطيني . وقد ثابر حزب "زانو" على النضال حتى تمكن من قهر البيض ، فاضطروا إلى القبول بإجراء انتخابات عامة في عام 1980 ، وقد فاز فيها حزب موغابي "زانو" ، فاعترفت بريطانيا رسمياً باستقلال روديسيا ضمن الكومنولث البريطاني ، أي أنها تعترف بملك بريطانيا ملكاً عليها . وأصبح موغابي أول رئيس للوزراء في هذه الدولة التي أطلق عليها اسم "زيمبابوي" . ومن ثم استكمل موغابي خطوات الاستقلال عام 1990 عندما قطع صلة زيمبابوي ببريطانيا وأعلن عن قيام جمهورية زيمبابوي ، وجمع في شخصه منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء . ورغم انتقال السلطة إلى السود ، إلاّ أن معظم الأراضي الزراعية ظلت في أيدي البيض . فقاد الرئيس موغابي عام 2002 حملة للإصلاح الزراعي ودفع الجيش إلى الاستيلاء على مزارع البيض . فحقدت عليه بريطانيا ولحقت بها حليفتها الولايات المتحدة ، وقررت الدولتان العمل على إسقاطه . فبدأتا تضغطان من خلال المؤسسات الدولية على زيمبابوي للقبول بما يسمى "الديمقراطية" وإفساح المجال أمام حرية التعبير . وتم خلق شخصية سوداء معارضة هي مورغان تسفانجيراي ليقف في وجه موغابي . وقد أجريت انتخابات رئاسية عام 2004 وتنافس فيها الرئيس موغابي وزعيم المعارضة مورغان تسفانجيراي. وقد فاز آنذاك موغابي واتهمته بريطانيا والولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى بتزوير الانتخابات ، وفرضت عقوبات على زيمبابوي وعلى الرئيس موغابي شخصياً . واستمرَّ زعيم المعارضة في العمل السياسي ، وعاد الآن بشكل أقوى ، وهو يدعي الفوز في الانتخابات . ولا شك أن الزمن لن يعود إلى الوراء في زيمبابوي ، فهذه الدولة التي ما تزال تناضل من أجل الاستقلال ، لن تقبل أن تقع من جديد في أيدي الأعداء. وهكذا ، فإن مسيرة موغابي الاستقلالية سوف تستمر .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024