إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

العواصف الدبلوماسية والإعلامية حول قمة دمشق العربية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-04-01

إقرأ ايضاً


لماذا أثيرت كل هذه العواصف الدبلوماسية والإعلامية حول قمة عربية عادية كان نصيب سوريا أن تستضيفها بسبب ترتيب الحروف الأبجدية المعتمد في تحديد الدولة العربية التي تستضيف القمة الدورية . فهل كان المقصود من وراء تلك العواصف التي هبّت من جهات مختلفة منع انعقاد القمة وبالتالي تعطيل العمل العربي المشترك ، أم كان الهدف منها هو منع استضافة سوريا لها ؟. الواقع أن هذين السببين كانا مقصودين معاً ، خاصة أن الذي عمل على منع انعقاد القمة هي الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وإسرائيل وبعض الأطراف العربية الحليفة للغرب . ذلك أن الولايات المتحدة تريد إنهاء العمل العربي المشترك لأن هذا العمل قد يؤدي في يوم ما في المستقبل ، إلى تحقيق اتحاد بين الدول العربية على غرار الاتحاد الأوروبي في ظل اقتناع معظم العرب بضرورة التضامن العربي في وجه ما تتعرض له الأمة العربية من أخطار وتحديات في عصر العولمة . والتقارب العربي ـ العربي مرفوض في إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية والقائمة على أساس مشروع الشرق الأوسط الكبير الساعي إلى تفتيت الدول العربية القائمة حالياً إلى دول طائفية وعرقية وإنهاء العروبة والإسلام وتحويل الشعوب العربية والإسلامية إلى جماعات هامشية مستهلكة في سوق العولمة الأمريكي . وقد كان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بداية لتطبيق هذا المشروع الخطير ، واستغلت الإدارة الأمريكية انتصارها هناك لتشن حملات الترهيب والتخويف ضد الدول العربية والإسلامية لدفع هذه الدول إلى التسليم بالقدر الأمريكي . وكانت سوريا مستهدفة بشكل أساسي من وراء تلك الحملات ، لأنها أدانت غزو العراق ورفضت التعاون مع المحتل لإخضاع الشعب العراقي . كما أنها دولة محكومة من قِبل حزب البعث الذي تم تدمير نظامه في العراق . وأيضاً فإنها تعادي إسرائيل وتدعم المنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان . وقد ارتفعت حدّة التهديدات الأمريكية ضدها مع صدور ما يسمى "قانون محاسبة سوريا" عام 2004 الممتلئ بالأضاليل والهادف إلى تحقيق حصار أمريكي ودولي عليها . ومن ثم صدر القرار الدولي رقم 1559 والذي دعا سوريا إلى الخروج من لبنان. ودخلت الولايات المتحدة في خطة مع بعض الأطراف المحلية الفاعلة لتدمير النظام السوري وإحلال نظام بديل عنه موالٍ للغرب وإسرائيل ، ومعادٍ لقوى المقاومة العربية والإسلامية ، وهذه الخطة ما تزال قيد التنفيذ . وقد كان يُراد من القادة العرب ألاّ يذهبوا إلى سوريا لإظهارها وكأنها معزولة عن عالمها العربي ، أو كأن العرب يرفضون هذا النظام القائم فيها . لكن معظم الدول العربية أصرّت على حضور القمة والكثير منها على مستوى القادة. وقد خلق هذا الواقع إرباكاً كبيراً للسياسة الأمريكية والغربية في المنطقة، إذ اتضح أن هذه السياسة تعاني فشلاً ذريعاً ، وأن موازين القوى في المنطقة والعالم لم تعد راجحة لصالح الولايات المتحدة والغرب ، بل أصبح هناك قوى إقليمية ودولية قادرة على فرض وجودها واستراتيجياتها . وهذه القوى الجديدة باتت تستقطب السياسة الدولية، والعرب هم جزء من هذا العالم ، بل هم في القلب منه ، وجميع السياسات الدولية يجب أن تمرّ عبر إقليمهم . ومن هنا ظهر هذا الخلل في سياسة الولايات المتحدة وفي سياسة حلفائها تجاه المنطقة . وقد حاول بعض الحلفاء إصلاح الموقف من خلال إرسال الرسائل الوديّة التصالحية مع سوريا ومحورها العربي الإسلامي والعالمي . لكن هذه الرسائل لن تعيد المياه إلى مجاريها بين القوى المحلية المتصارعة ، ولن تفلح في إعادة حركة التاريخ إلى الوراء ، فعهد الهيمنة الأمريكية والغربية على المنطقة شارف على الأفول ، وهناك فجر عربي جديد قد وُلِدَ مع قمة العرب في دمشق .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024