إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

العراق والمعاهدة الأمريكية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-07-03

إقرأ ايضاً


تخلّت الولايات المتحدة أخيراً عن شعارات "التحرير والديمقراطية" وقررت انتهاج نفس النهج الذي سار عليه أسلافها المستعمرون الأوروبيون في القرنين السابقين ، وهو نهج ما يسمى "الوصاية والحماية والانتداب" . فقد كانت بريطانيا وفرنسا تستعمران الشعوب في آسيا وأفريقيا ، وتدَّعيان لذرِّ الرماد في العيون . أنهما تفعلان ذلك بدافع ، إما أن هذه الشعوب قاصرة وتحتاج إلى وصاية حتى تكبر وتعقل وتصبح قادرة على إدارة شؤونها بنفسها ، أو لأن هذه الشعوب معرّضة لأخطار خارجية وبحاجة إلى الحماية من دولة قوية ، أو لأن هذه الشعوب حديثة الاستقلال عن استعمار سابق ، ولذلك فهي بحاجة إلى استعمار جديد يعلّمها أصول السياسة والحكم الرشيد . وقد تم توزيع العالم العربي تحت هذه العناوين ، فمثلاً وقعت تونس والمغرب وموريتانيا تحت الحماية الفرنسية . وأما الجزائر ، فإن فرنسا اعتبرتها أرضاً فرنسية وبالتالي طبّقت عليها أحكام القوانين والأنظمة المطبقة على الأرض الفرنسية . ووقعت مصر والسودان وسواحل الجزيرة العربية من عدن حتى الكويت تحت الحماية البريطانية . ومن ثم بعد انهزام الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى 1918 ، وقعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ، وفلسطين الأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني . وبعد انهيار الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في الحرب العالمية الثانية 1939/1945 ظنّ العالم أن عهد الاستعمار قد ولّى إلى غير رجعة ، لكن هيهات للمستعمرين أن يتخلوا عن ملح حياتهم ألا وهو استغلال الشعوب المقهورة في الأرض . فقد أعادت الولايات المتحدة التي هي تمثال الاستعمار المعاصر ، سيرة المستعمرين الأولين . فأصدر الكونجرس فيها عام 1996 ما يسمى "قانون تحرير العراق" . ومن ثم في عام 2003 تم تنفيذ هذا القانون من خلال عدوان برّي وجوي شامل أدّى إلى سقوط النظام العراقي وتدمير الدولة العراقية ، وأحضر الغزاة معهم مجموعات من أوباش الناس من خارج العراق إلى المدن العراقية المختلفة بدعوى أنهم عراقيون يحتفلون بمجيء الحرية الأمريكية إليهم . ودأب المسؤولون الأمريكيون والغربيون على استخدام عبارة "تحرير العراق" لوصف العدوان الأمريكي عليه . لكن المستعمرين لم يهنأ لهم البال ، فقد نهض الشعب العراقي يقاومهم . واستطاعت هذه المقاومة أن تكبّد المحتلين خسائر كبيرة ، وفشلت كل وسائلهم وإجراءاتهم في القضاء عليها . وبعد أن طفح الكيل بهم وتأكدوا أنهم لن يستطيعوا الاستمرار في الاستعمار المباشر ، التجأوا إلى نفس الوسائل الاستعمارية السابقة والتي تتمثّل بعقد معاهدات الحماية مع الشعوب المغلوبة . فقررت الإدارة الأمريكية عقد معاهدة حماية مع الحكومة العراقية ، وهذه المعاهدة تحدّ من سيادة واستقلال العراق ، وتمنح الأمريكيين القدرة على الاستمرار في التدخّل في شؤونه الداخلية ، وجعل الدفاع وشؤون الخارجية من مهمتهم . وقد انتفض الشعب العراقي بمختلف طوائفه وألوان طيفه السياسي مطالباً الحكومة العراقية بعدم التوقيع على هذه المعاهدة . لكن هل تستطيع الحكومة ـ يا ترى ـ أن تستجيب لمطالب الشعب على حساب مطالب المحتل ؟. الواقع أن هذه الحكومة شُكِّلت تحت إشراف الاحتلال ، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تذهب بعيداً عنه ، لأن في عنقها حبلاً يردُّها إليه . وهكذا ، فإنها ستجد نفسها مضطرة إلى التوقيع على هذه المعاهدة ، وإلاّ فإن المحتل سوف ينسفها ويأتي بحكومة أخرى جديدة . وليس ذلك عليه صعباً طالما أنه ما زال يمسك بمفاصل الدولة العراقية . ولا شك أن المقاومة العراقية وحدها هي التي ستجهض خطط الاحتلال ، وهي التي ستمزّق معاهدته وتحرر العراق بشكل كامل وناجز .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024