إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

منطقة الخليج والحرب النووية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-12-30

إقرأ ايضاً


العالم محكوم بحتميات القوة والعوامل الأساسية المسوقة بالتقدم التكنولوجي والتأثيرات الأخرى كالجغرافيا والمادية التاريخية القائلة بتبعية البناء الفوقي للمجتمع لبناه التحتية ، وصراع الأضداد بوصفه محركاً للتاريخ ، وأن العامل الاقتصادي لكل دولة يوفر لها أهم الدعائم في الارتقاء والهيمنة وممارسة وجودها توحيداً وسيطرة واستعماراً ، وإن لكل حقبة تاريخية منظورها . ولعل واقع الولايات المتحدة الأمريكية يتحرك على أحداث الماضي بعد أن أخذت خارطة العلاقات في الخليج خاصة ترتج بصوت التحذير الأمريكي المنذر لكافة الأمم بأنها تقبض على لحظة التفوق ، وأنه لن تكون ثمة دولة يمكن أن تسيطر على خارطة مصالحها الحيوية ، وأن الماضي مرتبط بالحاضر ارتباطاً عضوياً حين انتصرت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي السابق على دول المحور "ألمانيا ، وإيطاليا ، واليابان" في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 . حينها ظهر عالم جديد فيه قطبان عالميان متنافران هما ، القطب الشيوعي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي ، والقطب الرأسمالي الذي كانت وما تزال تمثله الولايات المتحدة . وتحوّل التحالف المؤقت بين هذين القطبين خلال تلك الحرب إلى عداوة شديدة كانت ساحتها العالم أجمع . فكل منهما كان يحاول كسب المزيد من الشعوب والدول إلى جانبه لكي ينتصر على خصمه ، وكان الجانبان قد اتفقا حتى قبل انتهاء الحرب العالمية على تقاسم مناطق النفوذ بينهما في مؤتمر يالطا الذي عقد في فبراير عام 1945 ، وجمع كلاًّ من الزعيم السوفيتي ستالين ، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وحليفه البريطاني تشرشل . وفي هذا المؤتمر تم تقسيم قارة أوروبا بين القطبين ، فأصبحت أوروبا الشرقية من نصيب الاتحاد السوفيتي وأصبحت أوروبا الغربية تحت الهيمنة الأمريكية ، وأصبحت قارة أمريكا الجنوبية ، حديقة خلفية للولايات المتحدة . وأما قارتا آسيا وأفريقيا ، فأصبحتا مناطق نفوذ بين الدولتين ، فالدولة الأقدر منهما على فرض وجودها يكون لها الحق في المكان الذي سيطرت عليه . وكانت منطقة الخليج العربي وسواحل الجزيرة العربية حتى عدن تحت الاستعمار البريطاني . وعندما انهارت الإمبراطورية البريطانية خلال تلك الحرب ، سارعت الولايات المتحدة إلى إثبات وجودها في منطقة الخليج خاصة ، لأنها كانت واعدة بإنتاج النفط . وكانت التقارير الإستراتيجية ترد إلى القادة السوفييت حول الأهمية المستقبلية لهذه المنطقة . ولهذا عمل هؤلاء على مزاحمة الوجود الأمريكي فيها بما يتناسب والأهداف السوفيتية . ففي عام 1953 ، ظهرت في مناطق جنوب اليمن وعدن مقاومة مسلحة مدعومة من السوفييت جعلت هدفها طرد المستعمر البريطاني من تلك المناطق ، وظلت هذه المقاومة مستمرة حتى اضطر الإنجليز إلى الجلاء عن جنوب اليمن عام 1967 ، فأقيمت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي أصبحت عضواً مراقباً في حلف وارسو . وفي اليمن الشمالي ، حدثت في عام 1962 ثورة بقيادة عبد الله السلال ، وتم القضاء على النظام الملكي ، وإقامة نظام جمهوري . ورأت الولايات المتحدة وبريطانيا في هذه الثورة خطراً يهدد أمن واستقرار المنطقة ، وأدركتا أن للاتحاد السوفيتي يداً فيها ، لذلك وقفتا تدعمان أنصار الملكية بهدف إفشال الثورة . فحدثت حرب أهلية كبيرة في اليمن ، وكاد الملكيون أن ينتصروا ، فبادر الاتحاد السوفيتي إلى دفع حليفته الإقليمية آنذاك ، مصر لكي ترسل جيشها لتثبيت أركان الجمهورية . ودخل الجيش المصري اليمن ، ورأت الولايات المتحدة في ذلك ضربة كبيرة لجهودها في تقويض الوجود السوفيتي في الجزيرة العربية ، فقررت ضرب مصر بهدف إجهاض الثورة في اليمن . وفي 5 حزيران/يونيو 1967 ، قامت طائرات عسكرية أمريكية بمهاجمة المطارات العسكرية المصرية ، ودمّرت ثلاثمائة وخمس طائرات عسكرية كانت جاثمة عليها ، ففقدت مصر ذراعها الطويلة ، وأصبح جيشها في سيناء مكشوفاً أمام قصف الطيران الأمريكي مما أوقع هزيمة مُرّة بمصر . والأمر المحزن أن إسرائيل ادعت أنها هي التي دمّرت الطيران المصري ، وهي التي قصفت تجمعات الجيش المصري . وكان هذا الادعاء بترتيب مع الولايات المتحدة لكي لا يتدخّل الاتحاد السوفيتي السابق ، ولكي لا تحدث حرب عالمية ثالثة . وقد اضطرت القيادة المصرية بعد تلك الهزيمة إلى سحب الجيش المصري من اليمن ، وأقيل الرئيس اليمني عبد الله السلاّل ، وتكوّن مجلس رئاسي بقيادة القاضي عبد الرحمن الإرياني . وخبا وهج الثورة في اليمن ، وانطفأت شعلة مصر ، فاستقرت الهيمنة الأمريكية في المنطقة ، ولم يعاود الاتحاد السوفيتي المحاولة لاختراق الستار الحديدي الأمريكي حول تلك المنطقة . ومع ظهور إيران كقوة إقليمية طامحة ، في هذه الأيام ، عاد التهديد للسيادة الأمريكية في الخليج ، لكن الولايات المتحدة التي تستشعر الخطر الإيراني ، تعمل حالياً على محاصرة إيران دولياً ومنعها من التحوّل إلى قوة كبرى . فالتاريخ ، كما يقولون ، لا يأخذ معناه ودلالته الموضوعية إلاّ حينما يَنْسِجُ علاقة منسجمة بين الماضي والمستقبل . وإذا فشلت الجهود الأمريكية الرامية إلى محاصرة إيران ، فإن الحرب ستقع لا محالة بسبب هذه الطاقة الشيطانية (الأسلحة النووية) التي حذّر منها العلاّمة ألبرت أينشتاين حين قال :"إن أكبر خطأ اقترفته في حياتي كان توقيعي على تلك الرسالة التي بعثت بها إلى الرئيس روزفلت أطلعه على إمكانية صنع القنبلة الذرية" . والطيّار الذي ألقى القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما ، ما كاد يشاهد هول حجم القنبلة حتى صاح مرعوباً :"يا إلهي ما الذي فعلته ، فهذا السلاح سوف يدمّر عناصر الطبيعة ويهدد بالفناء الإنسان ومنجزاته الحضارية" .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024