إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أحلام تركيا في مبادلة مياهها بنفط الخليج

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-03-23

إقرأ ايضاً


لقد كان الماء مهد الحياة الأول وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به " والله خلق كل دابة من ماء " ، هذه حقيقة تعني أن العنصر الأساسي الوحيد الذي يدخل في تركيب الأحياء جميعا هو الماء والذي لا يمكن أن تستمر الحياة من دونه ، وقد برزت أهميته خلال النصف الثاني من القرن الماضي حيث ازداد الطلب على الماء بأكثر من أربعة أضعاف ما كان عليه في بداية القرن الماضي ولعل اقتراح الرئيس التركي عبد الله غول خلال زيارة إلى قطر في 6/2/2008م ، مبادلة المياه التركية بنفط دول الخليج يندرج في هذا السياق ، ولا يعد هذا الاقتراح الاول الذي يأتي به رئيس تركي ، بل سبق أن طرح الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل ما يسمى "أنابيب السلام" لنقل المياه العذبة من تركيا عبر سوريا والأردن إلى دول الخليج العربية مقابل النفط . وتأتي هذه الاقتراحات من مسؤولين أتراك من واقع أن تركيا دولة غنية بمادة حيوية وأساسية للحياة وهي المياه ، وإنها بذلك تشابه دول الخليج الغنية بمادة حيوية وأساسية للحياة ، أيضاً وهي النفط ، مع فارق أن تركيا شبه خالية من مصادر النفط ، ودول الخليج شبه خالية من مصادر المياه الطبيعية . وبالتالي تتم مبادلة المياه العذبة الكثيرة في تركيا بالنفط الكثير في دول الخليج . لكن ، وعلى الرغم من أهمية المياه في حياة الكائنات الحيّة وعلى رأسها الإنسان ، لكنها ليست سلعة إستراتيجية مثل النفط . فمصادر المياه كثيرة في الطبيعة ودائمة بدوام الأمطار والبحار ، أما النفط فمصادره قليلة وفي نفس الوقت ، ناضبة ، ولا يمكن الوصول إلى هذه المصادر إلاّ بعمليات بحث وتنقيب واستخراج شاقة ومضنية . ونظراً لكونه سلعة ناضبة وبحاجة إلى عمليات تصفية وتكرير وتصنيع ، فقد دخل النفط إلى البورصة ، وأصبح له سعر يومي يحدده العرض والطلب وفي أحيان أخرى المضاربات التي تحدث في أماكن مختلفة من العالم . ومن هنا ، فمن العبث الحديث عن مبادلة نفط الخليج بماء تركيا . فالماء مهما غلا ثمنه ومهما عَظُمت الحاجة إليه ، فلن يكون له سعر يومي في أسواق المال العالمية ، لأنه كثير في الطبيعة ومتجدد . وأما النفط ، فمهما كان سعره مرتفعاً ، فإن ذلك يبقى قليلاً عليه ، لأنه محدود وغير متجدد. وقد حكم القدر على شعوب الجزيرة العربية أن تعيش في بيئة صعبة ، لأن معظم أراضي هذه الجزيرة عبارة عن صحارى رملية قاحلة لا ماء فيها ولا كلأ ، وإذا توفر الماء فيها فهو يكون على الأغلب ، إما مالحاً أو مرّاً ، وذلك لانحباس المطر سنيناً طويلة عن هذه الأصقاع . وفي ظل هذا الواقع الطبيعي المؤلم ، كانت حياة العرب تتركز حيث يوجد الماء في الواحات أو على بعض القمم المرتفعة أو على بعض سواحل الخليج والمحيط الهندي . وعندما حدثت النهضة في دول الخليج في النصف الثاني من القرن العشرين ، كانت مشكلة المياه أولى المشاكل التي واجهت حكومات هذه الدولة ، فتم التوجه لإقامة محطات تحلية تعمل بالوقود على شواطئ الخليج لتحلية المياه . وقد أقامت كل دولة خليجية عدّة محطات تحلية ، بالإضافة إلى إقامة معامل لتعبئة المياه العذبة والنظيفة من مصادرها الطبيعية المحدودة وبيعها للعموم . وبرغم أن المياه المحلاة لا ترقى بأي شكل إلى مستوى المياه الطبيعية الآتية من نهر أو نبع أو عين ، إلاّ أنها تستطيع أن تسدّ أكثر من 90 في المئة من حاجيات المجتمعات الخليجية وخاصة في أعمال الغسيل والتنظيف ، وبالتالي لم تعد ثمة مشكلة مائية في أي بلد خليجي . نعم قد يكون هناك شحّ ملحوظ في مصادر المياه الطبيعية في هذه الدول . لكن تسخير الآلة لخدمة الإنسان أوجد مصادر صناعية للمياه وهي المياه المحلاة . ولا شك أن ثمن محطة التحلية باهظ جداً قد يصل إلى أكثر من خمسة مليارات دولار ، بيد أن جديّة الدول الخليجية في النهوض والبناء جعل هذا الثمن ضئيلاً أمام الأهداف المرتجاة من التنمية الشاملة والتي يُعَدُّ الماء عنصراً أساسياً فيها . والواقع أن الكثير من الدول في العالم اليوم تعاني أزمة في المياه العذبة بسبب التلوّث الذي أصاب مصادر هذه المياه من جراء أعمال الإنسان الجائرة على الطبيعة . لكن هذه مشكلة طارئة ولن تجعل من الماء سلعة ناضبة كالنفط ، بل إن مختلف الدول ستعمل على إعادة مصادر المياه فيها إلى حالتها الطبيعية من خلال إزالة عوامل التلوّث ، وبالتالي استمرار تدفق المياه العذبة من دون أية مشكلة .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024