إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل يتعين على العرب الاعتذار ؟

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-13

إقرأ ايضاً


قال رئيس وزراء إسبانيا السابق خوسيه ماريا أثنار خلال محاضرة في معهد هادسن في واشنطن : لماذا علينا دائماً أن نطلب الصفح ، في حين أن العالم الإسلامي لا يعتذر أبداً . وأضاف ، أنا لم أسمع مسلماً يقدم اعتذاره لغزو إسبانيا واحتلالها على مدى ثمانية قرون . وبداية لا بدّ من القول ، إن كلام رئيس وزراء إسبانيا السابق هذا يأتي في إطار العداء للعرب والمسلمين ، لأنه يقرأ التاريخ بصورة مشوّهة لبثّ روح الانتقام عند الغربيين من الشرق المسلم . وهذا الرجل شارك عندما كان رئيساً للوزراء في العدوان الأمريكي البريطاني على العراق ، وساهم في تدمير هذا البلد العربي . وكان عليه أن يعتذر عن هذا الخطأ الجسيم بحق العراقيين والعرب ، وأيضاً بحق بلاده التي شوّه صورتها وأظهرها كذيلٍ للمستعمرين ، مع أنها ومنذ أيام الزعيم الراحل فرانكو ، كانت مثالاً على الحكمة والالتزام بسياسة الدفاع عن حقوق المظلومين . لكنه عوضاً عن الاعتذار ، واصل حربه على العالم الإسلامي عبر ادعائه بأن المسلمين لا يعتذرون عن ما يسميه احتلال إسبانيا لمدة ثمانية قرون . وبعيداً عن الخوض في هذه المهاترات ، فإننا نسأل أثنار ، لماذا لا يعتذر الأسبان أنفسهم عن احتلال إسبانيا ؟. فالأسبان أو الأصبان ينتمون في الأصل إلى أصبهان في إيران ، وقد تركوا بلادهم في قرون سابقة على الميلاد واتجهوا نحو أوروبا التي كانت مسكونة من قِبل الشعوب السلتية. وكان الفينيقيون قد استوطنوا جنوب أسبانيا وبنوا فيها مدناً مثل قرطاجة وملقا ، وكانوا يسمّون تلك البلاد "ترشيش" وكان في شمال ترشيش يوجد شعب سلتي ، ومن ثم جاء الأصبان وسكنوا ترشيش وغلبوا أهلها عليها ودعيت باسمهم . وفي القرن الثالث للميلاد ، تحرك البرابرة الشماليون من شبه جزيرة اسكندناوه وشواطئ بحر البلطيق وهم "الغوط الغربيون ، والغوط الشرقيون ، والفرنك ، والوندال ، والبرجنديون" واتجهوا نحو الجنوب ، واجتاحوا الإمبراطورية الرومانية ، ومن ثم أسقوطها عام 476 . وقد استقر الغوط الغربيون في أسبانيا ، وعندما حدث الفتح العربي لهذه البلاد في عام 92 للهجرة ، كان الملك الغوطي رودريك الثالث هو الحاكم فيها . وقد أزاح العرب المسلمون الغوط وامتلكوا أسبانيا ونشروا فيها الدين الإسلامي ، وقد تعرّب القسم الأكبر منها . وبعد انتهاء الحروب الصليبية عام 1295 للميلاد بجلاء الصليبيين بشكل نهائي عن المشرق العربي ، اتجه باباوات روما إلى دفع الصليبيين إلى مقاتلة العرب والمسلمين في الأندلس ، فاشتدَّ الضغط الصليبي على الأندلس إلى أن سقطت في أيديهم عام 1492 للميلاد . وتبع ذلك حدوث مأساة كبرى لسكانها العرب والمسلمين الذين تم إجبارهم على اعتناق المسيحية . ومن ثم تم إجلاء ثلاثة ملايين عربي ومسلم من الأندلس عام 1609 باتجاه سواحل المغرب العربي . وتخلل ذلك الكثير من الآلام التي تعرّض لها هؤلاء من قِبل محاكم التفتيش الرهيبة . وقد حفرت مأساة الأندلس عميقاً في وجدان الشعوب العربية لأنها أدّت إلى خسارة وطن عربي هو الأندلس ، ولأنها كشفت عن مدى الأحقاد التي يحملها الأوروبيون تجاههم . وكان حرياً بخوسيه ماريا أثنار أن يعتذر للعالم العربي عن تلك المأساة ، وكان حرياً به ألا يفتح صفحات التاريخ ، لأنها لا تناصره ، بل تقدم دليلاً على جهله بالحضارة وبحركة الشعوب .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024