إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل تعود الدولة إلى العراق ؟

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-06-08

إقرأ ايضاً


ارتكبت الولايات المتحدة خطيئتها الكبرى عندما احتلت العراق عام 2003 ودمّرت الدولة العراقية ولم تتحسّب لما سيأتي بعد ذلك ، بل لعلها ظنت أنها ستكون قادرة على بناء دولة عراقية جديدة بمواصفات جديدة . لكنها غرقت في مستنقع العراق ولم تتمكن بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الغزو ، من توفير الأمن حتى للقاطنين في المنطقة الخضراء المحصّنة في بغداد . وفي المقابل ، فإن الفوضى ما تزال تضرب أطنابها في هذا البلد ، وتقضُّ مضجع الشعب العراقي الذي يعيش وسط جحيم مستمر من القتل والإرهاب والتهجير والتجويع والعبث بتاريخه وبثقافته وبآثاره ، ومئات المدن روعت ، وملايين الموتى والمعاقين والمشردين واليتامى والأيامى والأرامل بلا ذنب ولا خطيئة . وقد أصبحت الولايات المتحدة أسيرة لوجودها في العراق ، فإن هي خرجت ، فإن خروجها سيكون بمثابة هزيمة لمشروعها ليس في العراق فقط ، بل في عموم المنطقة العربية . وإن هي استمرت، فإن خسائرها سوف تستمر ، والمسؤولون الأمريكيون حائرون في اتخاذ القرار المناسب لسلامة الولايات المتحدة وسلامة مصالحها في المنطقة . ولا شك أن هذه الحيرة تنبع من كون الأزمة العراقية تختلف عن كل الأزمات السابقة ، وما قبل احتلال العراق ، هو غير ما بعده . فقد أوجد تدمير الدولة في العراق نسقاً جديداً لم تعهده العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية . فلأول مرة ، منذ ذلك التاريخ ، تتعرّض دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة لعدوان خارجي يؤدي إلى تدميرها ووقوعها تحت الاحتلال . ففي الحالة الأفغانية ، مثلاً ، تدخّل الاتحاد السوفيتي السابق عسكرياً عام 1979 لمساعدة الحكومة الشيوعية التي كانت قائمة في أفغانستان . وفي الصومال سقطت الدولة فوق رؤوس مواطنيها بسبب فساد حكم الرئيس السابق سياد برّي . ولذلك كان العراق حالة جديدة خالفت ما هو سائد وقائم وشكّلت طعنة للمبادئ والأسس التي قامت عليها هيئة الأمم المتحدة ، هذه الهيئة التي أنشأتها الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية ووضعت لها مبادئ تقوم على ما يسمى "الحرية ، والاستقلال ، والعدالة" . وبعد أن ظهر هذا البناء الدولي وبدأت الدول المستقلة تنضم إليه وتقبل الالتزام بمبادئه ، كان يخيّل للعالم أنه سيكون قاعدة لترسيخ السلام الدائم والشامل بين الشعوب . لكن تحت مظلة هذا البناء تمّ اغتصاب فلسطين من قِبل اليهود عام 1948 ، ومن ثم إقامة دولة إسرائيل المشؤومة التي لم تلبث أن انضمت إلى ذلك البناء . وكان هذا الأمر أول طعنة توجهها الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي الذي أقامته . ورغم ذلك ، استمر المجتمع الدولي في الوجود بسبب تضافر جهود مختلف الدول لإنجاح هذا المشروع العالمي ، لكن الذي أقام هذا البناء قرر ، في لحظة ، تدميره وإعادة العالم إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت توجد إمبراطوريات كبيرة تحكم قبضتها على الشعوب ، وحتى الدول التي كانت مستقلة آنذاك ، وكانت قليلة ، كانت مرتبطة بهذه الإمبراطورية أو تلك . وشكّل احتلال العراق مدخلاً للعودة إلى ذاك الواقع ، خاصة أن الولايات المتحدة بدأت تفقد قدرة السيطرة على العالم بسبب الانهيار الحاصل في اقتصادها ، وهذا الانهيار سيبلغ ذروته في المستقبل القريب ، الأمر الذي سيؤدي إلى انكشاف الغطاء بالكامل عن البناء الدولي ، وسوف يصبح العالم أمام مصير جديد . فهو إما أن يتجه نحو الحرب الكبرى ، وهذا ما هو متوقع ، أو أنه سيعود إلى مرحلة الفوضى . وبالنسبة إلى العراق ، فهو لن يعود ، في ظل هذه التحولات التي تحدث ، إلى واقع الدولة الذي كان عليه قبل الغزو ، فهذه الدولة انتهت . كما أن المنطقة العربية كلها سوف تضطرب ، وستبقى بؤرة التوتر في العالم بسبب أهميتها وغياب مراكز القوة منها . ولذلك ، فإن التساؤل المطروح هو ما إذا كانت الدولة في العراق ستعود في ظل هذا الصراع الحاضر وكآبات الحال والمستقبل ، أم انتهت إلى نهاياتها وتوّجت بهذا الموت المتعدد الاتجاهات ، موت الوطن بكل أبعاده .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024