إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والدعوة لإقامة اتحاد متوسطي

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-11-05

إقرأ ايضاً


ألقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم 13/10/2007 خطاباً في مدينة طنجة المغربية دعا فيه شعوب البحر الأبيض المتوسط إلى الالتفاف لإقامة اتحاد متوسطي ، كما أنه دعا رؤوساء دول البحر المتوسط والدول المهتمة إلى الاجتماع في باريس في يونيو عام 2008 لوضع أسس سياسية واقتصادية وثقافية للاتحاد المتوسطي واقتراح إشراك اللجنة الأوروبية في الاتحاد المتوسطي ، ولم يحدد الرئيس الفرنسي شكل ذلك الاتحاد الذي يريد إقامته بين ضفتي المتوسط . لكن على الأرجح لن يكون اتحاداً اندماجياً كما هو عليه الحال بين دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش ـ باستثناء بريطانيا ـ باقتصاد واحد وبعملة واحدة هي "اليورو" . ولعل حضور الضفة العربية من البحر المتوسط في تفكير الرئيس الفرنسي وغيره من رؤوساء وملوك أوروبا ، إنما يعود بالدرجة الأولى إلى هاجس الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من دول المغرب نحو أوروبا . وهذه الهجرة أصبحت تشكّل عبئاً ثقيلاً على الحكومات الأوروبية لأسباب متعددة أهمها العامل الديمغرافي ، حيث أن هذه الحكومات باتت تتخوف من غلبة العناصر المهاجرة على الشعوب الأوروبية بسبب قلة المواليد بين هذه الشعوب . ومن ثم هناك العامل الأمني ، فالمتسللون إلى دول الاتحاد قد يقومون بأعمال تخريب بعيداً عن أعين السلطات الساهرة ، مما قد ينجم عنه خسائر كبيرة في النفوس والممتلكات . وأيضاً ، فإن دولة الرفاه السائدة في أوروبا والتي تحسب حساباً لكل مولود جديد ، قد ازدادت المطالب عليها بسبب كثرة المهاجرين وحاجة هؤلاء إلى الاندماج في المجتمع الأوروبي بكل عاداته وتصرفاته . وتدرك دول الاتحاد أن إيقاف الهجرة غير الشرعية إليها هو مهمة مستحيلة بالنسبة لها ، خاصة أن قوانين هذه الدول فيها نزعة إنسانية . فالمهاجر حتى لو جاء بصورة غير شرعية إليها ، فإنه يحصل فيها على إقامة وعلى عمل ومن ثم قد يحصل على جنسية ويصبح مواطناً أوروبياً ، وهذا الأمر هو الذي يشجع الشباب من دول القارة الأفريقية ومن غيرها إلى الهجرة إلى هناك لعلمهم أنهم لن يهجَّروا ما إن تطأ أقدامهم الأرض الأوروبية ، ولا تستطيع الدول الأوروبية أن تغيّر قوانينها لأن الأمر مرتبط بعقلية حضارية يرفض الأوروبيون أن يتخلوا عنها . ولذلك فقد اتجهت هذه الدول إلى إيجاد حلّ لمشكلة الهجرة في الدول المصدّرة للمهاجرين . ولاسيما في شمال أفريقيا العربية، فجاءت مبادرة برشلونة عام 1995 كفاتحة للعمل المشترك بين ضفتي المتوسط . وكان مقرراً لهذه المبادرة أن تتطور بما يحقق الأهداف المنشودة التي تتمثل في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي في حوض البحر المتوسط . وقد سعى الأوروبيون إلى حلّ المشكلة بين العرب وإسرائيل كمقدمة لإكمال مشروع الشراكة المتوسطية . لكنهم فشلوا في مساعيهم السلمية بسبب معارضة الولايات المتحدة لأي تدخل أوروبي في القضية الفلسطينية . كما أن دول الاتحاد أخذت تملي شروطها خاصة في مجال الديمقراطي وحقوق الإنسان على الدول العربية مما أزعج هذه الدول ودفعها إلى رفض التعاون مع الأوروبيين ، فأخفقت مبادرة برشلونة للشراكة المتوسطية . لكن ظل الأمل يحدو الأوروبيين في أن يتوصلوا إلى صيغة تعاون مع دول المغرب العربي للحدّ من ظاهرة الهجرة فقط لا من أجل ضمّ هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي . ولا شك أن خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في طنجة ، يصبّ في هذا الاتجاه على الرغم من أنه دعا إلى إقامة اتحاد متوسطي . فساركوزي هو نفسه الذي يرفض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بدعوى أنها ذات خلفية حضارية مختلفة عن أوروبا . ومن يرفض دخول دولة مسلمة مثل تركيا إلى الاتحاد لن يقبل بإقامة اتحاد مع دول عربية ومسلمة في المغرب العربي . والواقع أن أوروبا لن تستطيع أن تحلّ مشكلة الهجرة إلاّ إذا قبلت بالتخلي عن جزء من ثرواتها لصالح دول أفريقيا والعالم الثالث . فالمستوى الحياتي المترف الذي يعيش فيه الأوروبي يغري جميع شعوب العالم النامي ، فأي شاب يحلم بأن يعيش حياة رغيدة ، وإذا لم تتوفر له هذه الحياة في وطنه ، فإنه يسعى إلى الهجرة نحو مناطق الثراء في العالم طمعاً في الثروة والرفاهية . ومن هنا ، فإن أوروبا ستبقى مقصداً للمهاجرين ولن تجدي كل مبادرات الشراكة الأوروبية في إيقاف تيار الهجرة الجارف .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024