إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لبنان الأمس ولبنان اليوم

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2007-10-07

إقرأ ايضاً


مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي في لبنان ، يستمر الوضع السياسي في هذا البلد على ما هو عليه من انقسام بين تيارين متباينين في التوجهات والأهداف ، بين من يريد إعادة الزمن إلى الوراء وإعادة ربط لبنان بدول الغرب ، وبين من يريد بناء لبنان جديد يكون لكل طوائفه ومذاهبه في إطار دولة تحكمها القوانين المرعية الإجراء ، وفي ظل علاقات متميزة مع المحيط العربي والإسلامي . وهذا التجاذب حول تحديد هوية لبنان ليس وليد اللحظة ، بل هو موجود منذ أن وجد الكيان اللبناني ، والسبب في ذلك هو ضعف العرب والمسلمين بشكل عام . فبعد أن ظهرت النهضة الحديثة في أوروبا أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر ، طمعت الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وأيضاً روسيا في مدّ نفوذها إلى الشرق العربي لكونه يقع في قلب العالم ويتوسط طرق المواصلات بين الغرب والشرق . وكان جبل لبنان يضمُّ طائفتين رئيسيتين هما : الدروز والموارنة ، وبه أقلية كاثوليكية وإسلامية سُنيّة وشيعية . وكان الشهابيون الدروز يحكمون هذا الجبل منذ أن أزاحوا المعنيين الدروز أيضاً عن الحكم عام 1697 . وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر بدأت الإرساليات التبشيرية الغربية تغزو جبل لبنان ، وتم تأسيس مدرستين هما "عين ورقة" و "عين تيريز" ، وكان خريجوها من أبناء الأسر المارونية والروم الكاثوليك . وقد ساعدتهم شهاداتهم التي حصلوا عليها في التوظف في بلاط الأمير الشهابي الحاكم . ومع بداية القرن التاسع عشر ظهرت حركة تبشيرية أوروبية كبيرة ، وانتشرت المدارس مما زاد من عدد الخريجين منها . وفي عام 1790 ، تولى الأمير بشير الشهابي الثاني حكم جبل لبنان ، وأظهر الولاء والطاعة للدولة العثمانية، ولكن في عام 1822 ، دخل في اتفاق مع والي عكا عبد الله باشا للتمرّد على الدولة والاستقلال عنها ، ولكنهما أخفقا وفرَّا إلى مصر ملتجئين إلى واليها محمد علي باشا ، الذي توسّط لهما لدى السلطان العثماني محمود الثاني ، فعفا عنهما ، وعاد كل منهما إلى إمارته . وعندما قدم إبراهيم باشا إلى بلاد الشام فاتحاً لها عام 1831 ، انضمّ إليه الأمير بشير الشهابي . ومع زوال الحكم المصري من الشام عام 1840 ، وقع الأمير بشير الشهابي في أسر العثمانيين ونقلوه إلى الأستانة ، وبقي فيها حتى وفاته عام 1850 . ومع انهيار حكم الشهابيين تقهقر وضع الطائفة الدرزية اقتصادياً وسياسياً ، مما دفع بالكثير من أبنائها إلى الهجرة إلى حوران في سوريا ، وقابل ذلك زيادة النفوذ الاقتصادي والسياسي والسكاني عند الموارنة الذين كانوا مجرّد فلاحين عند الدروز . وقد عزز هؤلاء "الموارنة" دورهم في إنتاج الحرير ، وساعدهم ارتباطهم بهذه الزراعة على زيادة نفوذهم الاقتصادي . وقد ازدهرت هذه الزراعة بإحياء الصلات التجارية بين أوروبا وبلاد المشرق ، وأصبح الموارنة أكبر المنتجين اللبنانيين ، لذا تمكّن بعضهم من الإثراء فتعزز وضعهم الاقتصادي ، وجاء التغلغل الاقتصادي الفرنسي في جبل لبنان ليُسهم في تعزيز امتيازات الموارنة . وهذا ما دفع الدروز إلى الاعتقاد بأن ما يحصل يشكّل خطراً عليهم ، مما أدى إلى حدوث مذابح عام 1860 ضد الموارنة ، حيث تم اتهام 4600 درزي و 360 سُني وشيعي بالقيام بها . وقد أثارت تلك المذابح استياء دول أوروبا "فرنسا ، بريطانيا ، روسيا ، النمسا ، بروسيا" ، واضطرت الدولة العثمانية إلى الخضوع لمطالب هذه الدول ، فتم إعطاء جبل لبنان استقلالاً ذاتياً في ظل ما سُمي نظام المتصرفية ، على أن يكون المتصرف مسيحياً مرتبطاً بالباب العالي مباشرة . ومع انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1918 ، بدأ الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان ، وعلى الفور أعلن الجنرال الفرنسي غورو ولادة دولة لبنان الكبير عام 1920 بحدوده المعترف بها حالياً ، بعد ضمّ الأقضية الأربعة إلى جبل لبنان وهي : ولاية بيروت بما فيها صيدا وجبل عامل وحاصبيا وراشيا وبعلبك والمعلّقة . وانتقل لبنان من كونه متصرفية ذات استقلال ذاتي ، إلى دولة تتمتع بالاستقلال الكامل تحت الوصاية الفرنسية . وقد ظل المسلمون يشعرون بالغبن الشديد في تلك الدولة إلى أن وقعت الحرب الأهلية عام 1975 ، والتي أدّت إلى حدوث تغيير ديمغرافي كبير في لبنان . فقد أصبح للمسلمين حضور لافت في هذا البلد ، وتحوّل المسيحيون إلى أقلية ، ولم تستطع فرنسا ودول الغرب إنقاذهم وإعادتهم إلى مركز القيادة . وهذا بلا شك ، يعدّ تراجعاً كبيراً لسطوة الغرب في العالم وخاصة في عالمنا العربي والإسلامي . ومع الاختلال الكبير في موازين القوى في لبنان لصالح المسلمين ، فإن هذا البلد مرشح للدخول في أزمة جديدة ، وهذه المرة سيكون الاستحقاق الرئاسي عنوانها الأساسي .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024