إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الصواريخ الروسية في كوبا

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-08-24

إقرأ ايضاً


جعلت أمريكا من مكافحة الشيوعية الأقنوم الأول في سياستها الخارجية ، وكانت قاعدتها الأساسية إبقاء الاتحاد السوفيتي خارج النفوذ في العالم ، وذلك عن طريق إذكاء خطر الماركسيين والماركسية ، وخطر المرتكزات الفلسفية والإيديولوجية لهذا النهج النظري والنقدي من أجل السيطرة على الأحداث وإسعار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ، بعد أن تمكّن هذا الأخير من امتلاك قنبلة ذرية عام 1949 . فقد أصبحت قوته مكافئة للقوة الأمريكية التي كانت تتفوّق عليه قبل ذلك . واتجهت الدولتان إلى صنع الصواريخ المزوّدة بالرؤوس النووية بهدف نشرها على خطوط التماس بينهما في قارة أوروبا ، والمحيط الهادئ ، والقطب الشمالي . وكانت أمريكا اللاتينية تخضع لهيمنة الولايات المتحدة ، وفي جميع دولها حكومات موالية لها . وفي جزيرة كوبا القريبة من ولاية فلوريدا الأمريكية ، كان هناك نظام ديكتاتوري يقوده باتيستا المدعوم أمريكياً . وفي عام 1959 ، تمكّن الثوّار الشيوعيون بقيادة فيدل كاسترو من إلحاق هزيمة منكرة بجيش باتيستا وخضعت كوبا لهم . وكان انتصار ثورة كاسترو حدثاً هاماً يختلف عن كل الثورات التي حدثت في أمريكا اللاتينية ، لأن كاسترو كان متحمّساً للمبادئ الشيوعية وموالياً للاتحاد السوفيتي . ولذلك كان أول عمل أقدم عليه هو التحالف مع هذا الاتحاد وإقامة علاقات دبلوماسية معه . وقد أثار هذا التحالف حفيظة الولايات المتحدة ، لأنها تعتبر كوبا من المناطق الحسّاسة بالنسبة لأمنها بسبب قُربها منها ، فنشب خلاف بين أمريكا وبين الاتحاد السوفيتي ونظام كاسترو ، خاصة أن كاسترو بدأ يتدخّل في شؤون دول أمريكا اللاتينية محاولاً تصدير الثورة الشيوعية إليها . وازداد نشاطه في كل من جمهورية الدومينيكان ، وهاييتي ، ونيكاراجوا ، وبنما ، وفنزويلا ، وكولومبيا ، وغيرها ، من خلال الاتصال بالعناصر الشيوعية في هذه الدول ومدّها بالمال والسلاح . وعقد كاسترو معاهدة تجارية مع الاتحاد السوفيتي عام 1961 ، نصّت على التزام الحكومة السوفيتية بمدّ كوبا بما تحتاجه من النفط وغيره من المواد التي تفتقر بلاده إليها . ومن ثم عقد ، في نفس العام ، صفقات أسلحة مع الاتحاد السوفيتي ومع بعض الدول الشيوعية الأخرى . وكانت الولايات المتحدة تراقب ما يجري في كوبا بقلق وتأهّب ، وعقدت عزمها على سحق تلك الثورة الشيوعية قبل أن يستفحل أمرها في أمريكا اللاتينية . وبدأت باتخاذ قرار اقتصادي كفاتحة حرب ضد كوبا ، وهو عدم استيراد السُكّر منها . وردّ كاسترو باتخاذ قرار بتأميم أموال الولايات المتحدة في كوبا ، وكانت هذه الأموال تبلغ مليار دولار . فردّت الحكومة الأمريكية بإصدار قرار بفرض المقاطعة التجارية على كوبا ، وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها ، وفتحت باب الهجرة إلى الولايات المتحدة لأعداء كاسترو وخصومه السياسيين . ووجد الاتحاد السوفيتي في كوبا الشيوعية فرصة لتقريب الحرب الباردة من الحدود الأمريكية وتضييق الخناق على الولايات المتحدة ، فقرر السوفييت إقامة قواعد عسكرية في كوبا . وفي عام 1961 ، بدأوا بإرسال شحنات ضخمة من الصواريخ النووية المتوسطة المدى ، ومن الطائرات المقاتلة من نوع "ميج 21" ، ومن الطائرات الحاملة للقنابل الذرية ، والطائرات المهاجمة ، وأصبحت مدن الجنوب الأمريكي في مرمى الصواريخ والطائرات السوفيتية . وعلمت الاستخبارات الأمريكية بخطة السوفييت تلك ، فأعلن الرئيس الأمريكي آنذاك ، جون كينيدي ، أن أمريكا تواجه أخطر تحدٍّ لها في الحرب الباردة خلال السنوات العشر الأخيرة . ومن ثم هدد السوفييت بالحرب إن لم يسحبوا قواعدهم من كوبا ، وكاد العالم أن يقع في أتون حرب نووية كبرى لا أحد يعلم كيف ستنتهي . وقد أدرك السوفييت جديّة الموقف الأمريكي ، عند ذلك أعلن الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشيف في أواخر أكتوبر من عام 1961 ، تراجع الاتحاد السوفيتي عن إقامة قواعد عسكرية في كوبا مقابل تعهّد الأمريكيين بعدم مهاجمة كوبا ، وأصدر أمراً بسحب الصواريخ والطائرات الموجودة هناك . وعلى الرغم من أن هذا التراجع السوفيتي قد جنّب العالم ويلات حرب نووية ، إلاّ أنه كان ضعفاً من السوفييت أمام الولايات المتحدة . وقد تزعزعت ثقة الدول الشيوعية ، ولاسيما الصين ، بالاتحاد السوفيتي ، وأدرك العالم أجمع أن الولايات المتحدة هي القوة العالمية الأولى . ومن ذلك التراجع بدأ مسلسل الانهيار في الاتحاد السوفيتي إلى أن بلغ الذورة عام 1991 . ولعل أبلغ درس يمكن استخلاصه من الأزمة الكوبية ، هو أن الدولة التي تُقدِم على فعل معيّن ، ينبغي ألا تتراجع لأن عواقب التراجع أبلغ من عواقب أي موقف آخر . لكن التاريخ قد يعيد نفسه .. فروسيا تسعى الآن إلى نشر صواريخ في كوبا رداً على اعتزام الولايات المتحدة نشر درعها الصاروخي بالقرب من الحدود الروسية . ولا يقتصر المسعى الروسي على كوبا الراغبة في استعادة علاقاتها التقليدية معها في شتى المجالات ، بل يشمل أكثر من دولة من أمريكا اللاتينية التي تعتبرها منطقة جيوستراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة لمصالحها الأمنية والاقتصادية . ولن تغضّ واشنطن الطرف عن الوجود الروسي على حدودها ، ولن يبقى أمامها هذه المرّة إلاّ مساومة موسكو على درعها الصاروخي أو دخول علاقات البلدين في مرحلة جديدة من التوتر ...


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024