إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مشهد النار وسياسة التخريب الإسرائيلية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-25

إقرأ ايضاً


على مدار التاريخ ، نجد نموذج إسرائيل يتكرر في كل زمان ومكان إنها صورة التبدد والتمزّق وأشواك المطامع والمطامح ، وصورة عابثة تتحيّن كل فرصة لتمزيق واقع الأمة . ولم يكتفوا بهذا الإفساد ، بل تجاوزوه إلى التبجح والتبرير من أجل التخويف والإخلال بموازين وثوابت وقيم الأمة العربية والإسلامية . وما بثته القنوات الفضائية من صور القصف الإسرائيلي لأبناء مصر العروبة بالطائرات والقنابل الصاعقة ، هو مشهد مفزع رهيب تقشعر من هوله القلوب . ويكشف عن طبيعتهم في توثيق بَشِع ، ما أكّدته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في تقرير لها ، من أن سلاح الجو الإسرائيلي كشف مؤخراً ، ومن خلال أرشيفه ، عن أكثر الأسرار الأمنية حساسية ، حيث اعترف للمرة الأولى ـ بعد أربعين عاماً ـ بدعم إسرائيل للقوات التابعة للإمام بدر الذي كان يحارب الجيش المصري الذي قدَّم في حينه الدعم لقوات الجمهورية اليمنية . وحسب التقرير فإن سلاح الجو الإسرائيلي أنزل مرات عديدة أسلحة ومواد غذائية وذخائر في المناطق التي كان يسيطر عليها أنصار الإمام بدر في حربهم ضد الجيش المصري . ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال عن مغزى كشف إسرائيل لهذا السر الذي من المفترض أن يبقى مكتوماً فيها إلى الأبد . وأيضاً لماذا اختارت هذا الوقت بالذات لتكشف هذا السرّ؟. الواقع أن العرب لا يفاجأون إذا عرفوا أن لإسرائيل يداً شريرة في هذه المشكلة أو تلك من مشاكل الوطن العربي ، لأنهم يدركون جيداً أنها لا تستطيع أن تعيش وسط هذا البحر العربي الكبير المعادي لها ، وأنها من أجل ضمان استمرارها ووجودها ، يتعين عليها أن تخرب الدول العربية وأن تفتتها إلى دويلات صغيرة يسهل عليها حكمها والتحكّم فيها . فالمشروع الصهيوني هو نقيض للوجود العربي ، لأنه مشروع جاء مع الصهاينة المستعمرين من أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ، ومن ثم أصبح يملك أرضاً هي فلسطين ينطلق منها العدوان على جميع الدول العربية . وهذا المشروع لن يعرف الراحة ولا الهدوء حتى يحقق ذاته من خلال السيطرة على أكبر قدر من الأرض العربية وبناء إسرائيل الكبرى . وهو في هذا السبيل يحرك الفتن في هذه الدولة العربية أو يدعم جماعات متمردة في دولة عربية أخرى. لكن إسرائيل كانت دائماً تلتزم الصمت إزاء دعم الحركات المتمردة في بعض الدول العربية . فهي مثلاً كانت تدعم في الستينات من القرن الماضي ، التمرّد الكردي في شمال العراق ، وقد حصلت الدولة العراقية في تلك الأثناء على وثائق تؤكد هذا الأمر . كما أن إسرائيل كانت سبباً أساسياً في اندلاع الحرب الأهلية في لبنان من خلال دعم جماعة الكتائب اللبنانية التي كانت تطمح إلى جعل لبنان وطناً للقلب الأقدس . وقد دعمت وما تزال تدعم المتمردين في جنوب السودان وفي دارفور . وكانت لها يدّ قوية في دعم الزنوج في تشاد ضد العرب الذين يشكّلون أكثر من نصف السكان في هذا البلد الأفريقي . وقد شاركت إسرائيل بقوة في تدمير العراق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا . وحيثما توجد مشكلة في العالم العربي فإن لإسرائيل يداً خفية فيها . بيد أن إسرائيل لم تعد اليوم على ما يبدو ، خائفة من معرفة العرب بأفعالها الخبيثة تلك ، بل إنها باتت تستهدف تعريف العرب ، وخاصة الحكومات العربية بهذه الأفعال ، لأنها أصبحت تقدم نفسها في هذا الزمن الرديء ، على أنها جزء من تيار الاعتدال في المنطقة العربية في مواجهة ما يسمى "التيار المتطرف" أو قوى الممانعة العربية والإسلامية للمشروع الأمريكي ـ الصهيوني في المنطقة العربية . وفي هذا الصدد ، فإن إسرائيل مستعدة لتقديم المساعدة لأي حكومة عربية قد تفقد السيطرة بفعل انقلاب أو ثورة شعبية ، كما فعلت عندما ساعدت أنصار النظام الإمامي في اليمن ضد ثورة الشعب اليمني التي قادها الضابط عبد الله السلال عام 1962 . وقد نجحت آنذاك في ضرب عصفورين بحجر واحد . فهي قد أشغلت الجيش المصري في الحرب ضد المتمردين في اليمن ، وفي نفس الوقت قامت بشنّ عدوان واسع على مصر والأردن وسوريا ولبنان عام 1967 . وقد انهزمت مصر وانهزم معها مشروع الثورة في اليمن الذي فقد النصير ، فاتجه الجمهوريون اليمنيون إلى المصالحة مع المتمردين ، كما اتجهت مصر إلى المصالحة والسلام مع إسرائيل . وتغير واقع الصراع العربي مع إسرائيل بعد خروج مصر من صراع على الوجود إلى صراع على الحدود . لكن الذي لم يتغير هو أن إسرائيل هي إسرائيل .



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024