إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أخبار السلام وأخبار الحرب

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-05-05

إقرأ ايضاً


فجأة امتلأت أسماع العرب في كل مكان عن مساع تقوم بها تركيا لإحراز تسوية سياسية بين سوريا وإسرائيل ، وأبرزت هذه الأخبار استعداد رئيس وزراء إسرائيل لإعادة الجولان كاملاً إلى سوريا مقابل السلام معها . ولم تنفِ سوريا هذه الأخبار ما يعني أنها على إطلاع بالمساعي التركية . لكن بالتزامن مع أخبار السلام هذه ، أعلنت الولايات المتحدة أن لدى سوريا برنامجاً نووياً سرياً تبنيه بالتعاون مع كوريا الشمالية ، وعرضت صوراً لما قالت ، إنها منشأة نووية سورية قصفتها إسرائيل في سبتمبر من العام الماضي . وطالبت وكالة الطاقة الذرية بالذهاب إلى سوريا للتفتيش على منشآتها النووية "المزعومة" . وقد يبدو لأول وهلة ، أن لا رابط بين أخبار التسوية بين سوريا وإسرائيل ، وبين الأخبار الأمريكية حول نشاط سوري نووي. لكن في الواقع ، أن هذه الأخبار وجهان لعملة واحدة وهي سياسة الترغيب والترهيب التي يعتمدها القوي في كل عصر وزمان ضد الضعيف ، والهدف من هذه السياسة ضد سوريا الآن هو إبعادها عن إيران وحزب الله . فإسرائيل ، بموجب هذه السياسة ، مستعدة لإعادة الجولان كاملاً إلى سوريا بشرط أن تعقد اتفاقية سلام معها ، وتغلق بابها على القضية الفلسطينية وتفكّ ارتباطها مع حزب الله ، وتقطع علاقاتها مع إيران أو على الأقل تتحول سياستها معها إلى سياسة عادية لا يوجد فيها محاور وأحلاف . وإذا رفضت سوريا شروط السلام الإسرائيلية ، فإن الولايات المتحدة عند ذلك ، ستذهب إلى مجلس الأمن بتلك الصور المزيفة والمعلومات المفبركة وتطلب من حلفائها الغربيين ومن بقية الدول التابعة المتواجدة إصدار قرار لإخضاع سوريا لنظام التفتيش الدولي الذي تم تطبيقه على العراق مدة اثنتي عشرة سنة . والواقع أن سوريا لن تخضع لإملاءات إسرائيل أو تحركات الولايات المتحدة ضدها . لأن الواقع العالمي تغيَّر كثيراً ، فالولايات المتحدة لم تعد قوة عظمى وحيدة ، وهي الآن غارقة في وحول العراق ، وقد بدأ اقتصادها في الانهيار ، ولم تعد قادرة على فرض إرادتها على الدول الأخرى ، وخاصة على القطبين العالميين الموازيين روسيا والصين اللتين تسعيان جاهدتين إلى قلب الطاولة العالمية فوق رؤوس الأمريكيين . وقد توطدت العلاقات كثيراً بين سوريا وروسيا وخاصة بعد أن أصبح ميناء طرطوس السوري مقراً للأسطول الروسي العامل في البحر الأسود والبحر المتوسط . وأصبحت سوريا محمية بالمظلة النووية الروسية ، وتدرك الولايات المتحدة جيداً أن سوريا خرجت عن نطاق سيطرتها ، وتدرك أيضاً أن كل سياسات الترهيب ضدها على مدى السنوات الماضية منذ العدوان على العراق عام 2003 ، قد باءت بالفشل . والآن لم تعد المسألة تعني سوريا بقدر ما أصبحت تعني روسيا التي باتت ترى أي تحرك عسكري أمريكي إسرائيلي ضد سوريا كأنه تحرك عسكري ضدها . وبالتالي ، فإنها لن تبقى على الحياد مما سيؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة . ومن هنا ، فإن سياسة الترغيب والترهيب التي تمارسها الولايات المتحدة ضد سوريا ، لن تؤدي إلى شيء ، بل إنها ستزيد من التوتر الموجود في المنطقة العربية التي ستبقى على حال من عدم الاستقرار بسبب انعدام قدرة الحسم الأمريكية . لكن هذا الحال لن يدوم إلى الأبد ، بل لا شك أن هناك نهاية ، وهي ستأتي على الأرجح على شكل نزاع عسكري عالمي واسع لن يغير الخريطة السياسية في المنطقة العربية فحسب ، بل إنه سيعيد تشكيل العالم بوجه جديد .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024