إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خطة بايدن ومخطط تمزيق المنطقة العربية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-09-07

إقرأ ايضاً


بدأت تهز العالم ضربات قاصمة وأصبح يفتقر إلى المساواة وإلى تحقيق الشمول وتشهد أغلب مناطقه إعادة لتشكيل الخارطة الجيوسياسية وتغيير وضعها الديمغرافي على نحو كبير. وفي هذا الظرف جاء اختيار المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية باراك أوباما ، النائب الديمقراطي جوزيف بايدن ليخوض معه السباق الرئاسي في منصب نائب الرئيس . ولم يأتِ اختيار بايدن بشكل عبثي وجزافاً ، بل إنه خطوة مدروسة بعناية تعكس حقيقة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية . فقد عرف بايدن بخطته لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق ، واحدة للشيعة ، وأخرى للسُنّة ، وثالثة للأكراد . وكان بايدن يحتج بأن هذه الخطة التي قدّمها إلى الكونجرس الأمريكي عام 2006 ، ستحقق الاستقرار للعراق على غرار البوسنة المقسّمة وفق اتفاق دايتون عام 1995 إلى ثلاث مناطق ، واحدة للمسلمين، و أخرى للصرب ، وثالثة للكروات . وأن هذا التقسيم جلب الاستقرار إلى منطقة البلقان . وقد أصبحت خطة بايدن التي صادق عليها الكونجرس عام 2007 ، برنامج عمل للإدارة الأمريكية . والواقع أن هذه الخطة ما هي إلاّ نواة لخطة أكبر لإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية في المنطقة العربية . فهذه المنطقة ما تزال وفق الاستراتيجية الأمريكية في طور التشكّل ، أي أنه مع تضعضع وانهيار الدولة العثمانية التي كانت حاضنة للمنطقة العربية ، في بداية القرن العشرين، جاء المستعمر البريطاني والفرنسي واستعمرا هذه المنطقة ورسما حدوداً بين المستعمرات التي أصبحت ، فيما بعد ، دولاً مستقلة. ولم تراعِ في إقامة هذه المستعمرات السابقة ـ كما ترى أمريكا ـ رغبات السكان ولا الاختلافات الموجودة بينهم من حيث الدين والعرق . ولما كانت أمريكا قد نصّبت نفسها رسولاً لما يسمى الديمقراطية والليبرالية ، فإنها قررت تغيير هذا البناء القديم، وإنشاء آخر حديث مكانه ، وجاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كبداية لتطبيق هذا المخطط . فقد أحدث هذا الاحتلال ثغرة في الجدار العربي استطاعت الأفكار الأمريكية أن تدخل من خلالها إلى الساحة العربية ، وأصبح المشهد الطائفي والعرقي هو السائد في العراق . فقد دُفع الشيعة والسُنة إلى الاقتتال في حين أفسح المجال أمام الأكراد للإعلان عن هويتهم القومية ومن ثم مطالبتهم بدولة خاصة بهم بعيداً عن العرب . وبعد تحطيم العراق ، عكفت إدارة الرئيس الحالي بوش على السير قدماً في مخطط خلخلة المنطقة فقامت بإجبار سوريا على الخروج من لبنان عام 2005 للتضييق عليها ودفعها إلى الإنهيار ومن ثم تعميم النموذج العراقي فيها وفي لبنان والأردن وبالتالي إنجاز مرحلة كبيرة من المخطط الأمريكي المرسوم . لكن سوريا استطاعت أن تقاوم الضغوط بفضل تحالفها مع روسيا التي قدّمت لها العون والمساعدة وثبّتت أقدامها في وجه الأعاصير الغربية ، مما أدّى إلى تقهقر المشروع الأمريكي وانكفائه عنها . غير أن تعثّر هذا المشروع لا يعني أنه انتهى ، لأنه غير محدد بمدّة زمنية ، بل إن زمنه مفتوح ، وإذا لم تستطع إدارة الرئيس الحالي تحقيق سوى خطوة فيه ، فإن الإدارات اللاحقة ستتابع التنفيذ. ومن هنا ، فإن اختيار جوزيف بايدن لمنصب نائب الرئيس هو تعبير رمزي عن النهج الأمريكي الثابت تجاه المنطقة العربية . وعلى الأرجح سيصبح أوباما هو الرئيس المقبل ، ومن ثم سوف تتابع إدارته مهمة ترسيخ تقسيم العراق وسيكون عليها أن تعطي الأكراد استقلالهم في دولة شمال العراق . كما أنها ستعمل على توسيع إقليم الوسط السُني ليشمل أراض من الأردن وسوريا من أجل خلق دولة عربية سُنية تقف في مواجهة إيران والإقليم الشيعي العراقي ، وفي مواجهة شيعة لبنان وسوريا . وهنا لا بدّ من القول ، إنه قد لا تنجح إدارة الرئيس الأمريكي المقبل في تحقيق خطوة جديدة من المشروع الأمريكي الذي فتح نظام الشرق الأوسط الحديث على أكثر من احتمال يصعب معه معرفة عدد الدول التي ستكون يوماً ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الفرات ، إلاّ أنها ستستمر في الترويج له بشتى الوسائل الكفيلة بإرباك شعوب المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها خدمة لأهدافها الاستراتيجية ، في وقت بدأت فيه دورة جديدة لعالم يتشكل وفق صيغ أخرى قد لا تبقي تفرد القوة العظمى الأمريكية بالسيادة على العالم، وعندها فإن هذا الأخير سيتحرر من الكثير من كوابيس القهر والظلم.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024