إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حصار غزة ومستقبل القضية الفلسطينية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-02-17

إقرأ ايضاً


بعد أكثر من عامين على اندحار الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة ، اتضح لهذا الاحتلال عمق المأزق الاستراتيجي الذي وقع فيه ، وهو مأزق قد يؤدي به إلى الهاوية . ذلك أن قطاع غزة قد تحول إلى قاعدة كبيرة للكفاح الفلسطيني ضد هذا الاحتلال . وقد عملت حكومة حماس على تقوية هذا الاتجاه وترسيخه ، حتى أصبح هناك عمليات عسكرية يومية من قطاع غزة ضد الجيش الإسرائيلي المنتشر على الحدود ، وأصبح هناك صواريخ تسقط يومياً على المستعمرات الصهيونية القريبة من القطاع مثل سديروت التي تركّز عليها المقاومة كثيراً لإجبار إسرائيل على إخلائها . وقد بلغ الألم في نفوس قادة إسرائيل مبلغاً خطيراً ولاسيما وهم يشاهدون كيف أن مشروع المقاومة في غزة يكبر ويتسع . وقطعاً أن هؤلاء القادة فكّروا كثيراً بإعادة احتلال القطاع لطرد المقاومين منه أو قتلهم . ولكنهم وجدوا أن الاجتياح لن يكون أمراً سهلاً وقد يؤدي إلى مقتل مئات ، بل ألوف من الجنود الإسرائيليين بسبب قوة المقاومة وامتلاكها أسلحة فعّالة ، وهذا ما يدركونه جيداً . ولذلك اختاروا متابعة أساليب القصف الجوي المركّز بهدف قتل المجاهدين وتخريب بنيتهم التحتية . وأيضاً القيام ببعض التوغلات والعمليات المحدودة هنا وهناك من أنحاء القطاع . وعلى الرغم من حجم الدمار الذي يلحقه قصف الطائرات والدبابات في مدن وقرى القطاع ، وعلى الرغم من استشهاد الكثير من الفلسطينيين رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً ، لكن إرادة المقاومة عند الشعب الفلسطيني ازدادت قوة وصلابة ، وازداد الإصرار على تحرير كامل فلسطين . وقد وصلت إسرائيل إلى قناعة مفادها ، أن بقاء المقاومة في القطاع يعني نهاية حتمية لها . وتفكرت في أي السبل التي يمكن أن تفصل بين الشعب الفلسطيني وبين مقاومته ، فوجدت أن الحصار الاقتصادي وسيلة ناجعة لإجبار هذا الشعب على التخلي عن حماس وعن المقاومة . ولما كان قطاع غزة خاضعاً قبل تحريره للاحتلال الإسرائيلي ، فإن هذا الاحتلال كان يزوده بالوقود والكهرباء ، وطبعاً لم يكن يقدم ذلك مجاناً ، بل يأخذ ثمنه مضاعفاً من الشعب الفلسطيني ، ويكفي أن يشعر الإنسان الفلسطيني بأن عدوه ومغتصب أرضه هو من يقدم له وسائل عيشه واستمراره في أرض آبائه وأجداده . وقد ظل هذا الوضع قائماً بعد تحرير غزة ، لأن إسرائيل ضربت حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً عليها بدعوى منع تدفق السلاح إلى المقاومين فيها . ولذلك لم يستطع الفلسطينيون التحرر من التبعية الاقتصادية لإسرائيل التي استغلت هذا الوضع وقررت قطع الوقود والكهرباء عن القطاع . وسرعان ما ظهرت أزمة هائلة شملت جميع مرافق حياة الفلسطينيين ، ونسيت إسرائيل أن للقضية الفلسطينية بُعداً عربياً ، وأن الشعوب العربية لن تقبل مطلقاً بخنق الفلسطينيين . ولذلك تفاجأت بموقف مصر عندما فتحت حدودها أمام مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين عبروا الحدود إليها وتزودوا منها بالمؤن والحاجيات الضرورية . وقد فشل حصار غزة ، وفي نفس الوقت ، أعاد للقضية الفلسطينية وضعها الطبيعي باعتبارها قضية جميع العرب وليس الشعب الفلسطيني وحده . ولا شك أن إسرائيل لن تغفر لمصر هذا الموقف، لكن مصر العربية التي لا تستطيع أن تنزع جلدها ، لا يمكنها أن تكون إلاّ عوناً لإخوانها العرب في فلسطين . ومهما فعلت إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والغرب ، فإن مصر لن تخضع لمطالبهم بمحاصرة غزة ، لأن قدر مصر أن تكون عربية ، وقدرها أن تكون السدّ المنيع في وجه كل محتل وغازٍ للبلاد العربية . وبعد هذا الموقف المصري الشجاع ، ستزداد المقاومة في غزة قوة ورسوخاً ، وسيزداد الموقف الصهيوني ضعفاً وتراجعاً إلى أن تتحقق أمنية الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين جميعاً بتحرير فلسطين كل فلسطين ، وإعادة الحق إلى أهله، وهذا اليوم لم يعد بعيداً من الآن .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024