إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمة العربية والهزيمة الحضارية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-06-15

إقرأ ايضاً


تعيش هذه الأمة هزيمة حضارية تنعكس مفاعيلها السلبية على جميع الصعد والمجالات فيها، فهي متخلفة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتكنولوجياً، ولم تستطع أية دولة عربية حتى الآن أن تحقق تقدماً ملحوظاً يمكن أن يشكل نواة لإحداث نقلة نوعية في هذه الأمة، بل إن جميع هذه الدول مصابة بأمراض مختلفة، فهي إما فقيرة أو تعاني من الديكتاتورية أو تابعة اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً للقوى الكبرى في العالم، ويشكل الفقر السمة الغالبة في المجتمعات العربية، والفقر هو نتيجة لتخلف وسائل الإنتاج ولضعف الإنتاج بصفة عامة في العالم العربي. فالصناعة التي تُعد المحرك الأساسي للاقتصاد المعاصر لم تزل غائبة عن الدول العربية، وما يتوافر من صناعات في هذه الدول هي صناعات بسيطة لا ترقى إلى المستوى المطلوب في عالم اليوم. وضعف الإنتاج الصناعي يقلل الصادرات، وبالتالي تقل نسبة المردود المالي مما يؤدي إلى مزيد من مراكمة الفقر، وعملية الإنتاج هي عملية متكاملة تبدأ من التعليم الجيّد في المدارس والجامعات، ومن ثم بناء المصانع وصنع الآلات، وإدارة هذه المصانع بواسطة الكفاءات الوطنية، ومن ثم تسويق هذه الصناعات وفق معايير الجودة والمنافسة. وللأسف، فإن المبادئ الأساسية لعملية الإنتاج ما تزال متخلفة في الدول العربية بسبب ضعف الموازنات المخصصة لعملية التعليم أو بسبب ربط التعليم بالفكر الأيديولوجي الفارغ من المضمون، وأيضاً فإن الطلاب العرب الذين يحققون تفوقاً، وهم قليلون بطبيعة الحال، يهجرون أوطانهم نحو البلاد الصناعية المتقدمة في الغرب طمعاً في الثروة والحياة الهانئة التي لا توفرها لهم أوطانهم. فالقاعدة التي تقول : / الإنسان المناسب في المكان المناسب/ غير موجودة في العالم العربي، بل العكس هو الصحيح في كل الأحوال. فمهندس الطيران /مثلاً/ يعيَّن مديراً لإحدى الفنادق، وخبير الاقتصاد يعيَّن مديراً لشركة الأفران. وهكذا بشكل عبثي يسهم في زيادة التخلف والفقر. والواقع أن أية دولة عربية لا تستطيع بمفردها أن تحقق تنمية حقيقية، وعلى فرض أن إحداها تمكنت من الوصول إلى ذلك، فإن القوى العسكرية الكبرى لن تسمح لها بمزاحمتها في أسواق العالم، بل ستعمل على ضرب اقتصادها وإفشالها، ومن هنا، فإن القوة مطلب أساسي لحماية التنمية، ولا تستطيع أية دولة عربية أن تحقق لوحدها أمنها، بل لا بد من تضافر جهود جميع الدول العربية لتحقيق الأمن للعالم العربي كله. فقدر هذه الأمة هو أن تعيش معاً أو تموت معاً، ولا خيار آخر أمامها. وما يؤكد صحة هذا الكلام هو أن الولايات المتحدة وعدت مصر بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979 بأن تجعلها دولة صناعية متقدمة وغنية. وقد تم اختزال هذا الوعد إلى صيغة مساعدات غذائية وعسكرية، في حين أن مصر كانت تحتاج دفعة واحدة إلى مساعدات بقيمة 100 مليار دولار أو أكثر قليلاً من أجل تحقيق التنمية فيها على جميع المستويات. لكن الولايات المتحدة لا يمكنها المغامرة وجعل مصر أو أي دولة عربية كبيرة أخرى مثل الجزائر والسودان والمغرب دول متقدمة، كما فعلت مع كوريا الجنوبية التي كانت حتى منتصف الستينيات دولة فقيرة متخلفة. فمن أجل كسب الحرب الباردة في شبه الجزيرة الكورية، قررت الولايات المتحدة تقديم مساعدات اقتصادية هائلة لكوريا حتى جعلت منها دولة صناعية متقدمة تعيش ثراءً كبيراً بموازنة تبلغ 631 مليار دولار، مع أن مساحتها لا تتعدى 100 ألف كيلومتر مربع فقط، وعدد سكانها 47 مليون نسمة. وهي الآن متفوقة اقتصادياً وعسكرياً، وبشكل ملفت، على جارتها الشمالية التي كانت أقوى منها في خمسينيات القرن الماضي، مما جعل ميزان القوة يميل لصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة من العالم. ولا شك أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تمنح المال إلا لتحقيق فوائد تعود عليها بالنفع المباشر ولا يمكن الاعتماد على المساعدات التي تقدمها هذه القوى للدول الفقيرة ومنها بعض الدول العربية، بل لا بد من الاعتماد على الذات. وفيما يخص حالة العرب، فإن الحل الوحيد أمامهم للخلاص مما هم فيه من فقر وتخلف هو في الاتحاد فيما بينهم ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والعسكري. فوجود قوة عسكرية عربية ضاربة سيمنع الأعداء من تهديد هذه الأمة مما سيؤدي إلى نماء الصناعة ونماء المال وتحقيق التحرر والخلاص من العبودية التي يحلم بها كل العرب.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024