إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل نجحت قمة العشرين في إنعاش الاقتصاد العالمي ؟

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-11-30

إقرأ ايضاً


انعقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن في 15 نوفمبر 2008 قمة مجموعة العشرين التي تمثل أكبر اقتصادات في العالم . وقد تبنى قادة هذه المجموعة خطة عمل وسلسلة تدابير ذات أولوية قصوى ينبغي إنجازها قبل 30 مارس المقبل بهدف استعادة الثقة بالنظام المالي . وأبدت قمة المجموعة في بيانها الختامي تصميمها على تعزيز تعاونها لإعادة إطلاق النمو العالمي وإصلاح النظام المالي . واتفق رؤوساء دول وحكومات العشرين على إعطاء وزن أكبر لتمثيل الدول النامية في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وأعلنوا أنهم توافقوا على الاجتماع مجدداً قبل 30 إبريل 2009 ، بهدف التحقق من تطبيق المبادئ والقرارات التي اتفقوا حولها . ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال عن الآليات التي ستعمل من خلالها مجموعة العشرين لإصلاح الخلل في الاقتصاد العالمي . فهل ستنطلق هذه المجموعة من الواقع الاقتصادي الراهن بكل ما فيه من اصطفافات وخلل يميل لصالح العالم الغني على حساب الشعوب الفقيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، أي بمعنى ، هل ستعمل دول هذه المجموعة لإبقاء المعادلة الاقتصادية العالمية على ما هي عليه ؟. الواقع أنه من الخطأ أن يُقال ، إن كل الدول سوف تنهار اقتصادياً إن لم تتم معالجة هذه الأزمة الاقتصادية الراهنة ، ذلك أن ثمة دولاً في العالم لم تتأثر بهذه الأزمة مثل الصين التي تواصل النمو الاقتصادي وكأن شيئاً لا يحدث . ولا شك أن جذر الأزمة هو في الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من ديون هائلة متراكمة . ولما كان هذا الاقتصاد هو قاطرة الاقتصاد العالمي ، فقد ظهر وكأن العالم أجمع مُقبل على كارثة اقتصادية محققة ، مع أن الواقع غير ذلك . ولعل أكثر الدول المتأثرة ، هي تلك المرتبطة بعجلة الاقتصاد الأمريكي ، ونعني بذلك مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى . فهذه الدول في حقيقة أمرها ، قوة اقتصادية واحدة ، فلا ريب أن الولايات المتحدة تفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية على دول هذه المجموعة والتي هي بالإضافة إلى الولايات المتحدة ، كلٌّ من (بريطانيا ، وألمانيا ، واليابان ، وفرنسا ، وكندا ، وإيطاليا). وحتى عندما تم إدخال روسيا مؤخراً في المجموعة ، لم تستطع هذه الأخيرة أن تتحمّل الإملاءات الأمريكية ، ولذلك ظل وجودها وجوداً اسمياً ولم ترتقي لتصبح شريكاً كاملاً على قدم سواء مع دول المجموعة الأخرى . ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، فرضت الولايات المتحدة عملتها الدولار كعملة عالمية مكان الذهب ، وقدّمت مساعدات اقتصادية لدول أوروبا الغربية واليابان التي أنهكتها تلك الحرب . ومن ثم أصبحت هذه الدول تابعة للقرار الأمريكي ، وظهر ما يسمى العالم الغني الذي يشمل أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان . وأصبح هذا العالم يحوز ثمانين في المئة من ثروات وموارد العالم الاقتصادية . لكن للزمن دورته التي لا بدّ منها ، فالمرء يولد صغيراً ويصبح رجلاً ، ومن ثم يشيخ وتنتهي حياته بالموت . وهذه الدول التي رتعت زمناً طويلاً على حساب عذابات وآلام الشعوب الفقيرة ، جاءها وقت الحساب الآن ومن حيث لم تحتسب ، فنامت واستفاقت على كارثة اقتصادية تحدق بها من كل الجهات ، ولما كان يصعب على الغني أن يفقد ماله ويصبح فقيراً . فقد جمعت الولايات المتحدة حلفاءها واتفقت معهم على تدويل الأزمة وعلى الإدعاء بأن ما حدث هو أمر عابر ولن يطول الزمن حتى يعود الاقتصاد العالمي إلى ما كان عليه وأن من مصلحة العالم أجمع أن يستمر في السير على هذا النهج الاقتصادي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ، وإلاّ فإن البديل هو الخراب والدمار في كل مكان . ومن هذا المنطلق اتفق أرباب العالم الغني المتداعي على عقد ما أطلق عليه قمة مجموعة العشرين والتي ضمّت بالإضافة إلى الدول السبع الصناعية ، كلاً من روسيا والصين والهند والبرازيل وبعض الدول الأخرى في آسيا وإفريقيا ، وذلك في مسعى من قِبل أصحاب المال العالمي للإيحاء بأن الأزمة الحاصلة هي أزمة عالمية وأن جميع الدول القادرة في العالم مطالبة بالمشاركة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه . وقطعاً ، أن روسيا والصين اللتين تتمتعان باستقلال ناجز عن الولايات المتحدة ، لن تساهما في إنقاذ الاقتصاد العالمي ما لم تقبل الولايات المتحدة بإحداث تغييرات جوهرية في هذا الاقتصاد . فمثلاً ، لن تقبل هاتان الدولتان بأن يستمر الدولار كعملة عالمية وأن يبقى الاقتصاد الأمريكي اقتصاداً عالمياً قائداً ، كما أنهما لن تقبلا بأن تبقى صناديق المال العالمية بيد الغرب . وهنا نتساءل ، هل ستقبل الولايات المتحدة بشروط روسيا والصين ، وهل بوسعها أن تتخلى عن عملتها كعملة عالمية ، وهل بوسعها أن تتحوّل إلى قوة اقتصادية ثانوية ، وهي التي تملك زمام العالم حتى الآن ؟.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024