إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

السياسة ومعدلات الفقر في العالم

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-01-13

إقرأ ايضاً


انتهى العالِم سان سيمون ، مؤسس مذهب السيمونية في السياسة في استعراضه لتاريخ تطور الإنسانية خلال أربعة عشر قرناً ، إلى نتيجة مفادها أن الغاية من المجتمع الحديث ليست الحرب والغزو والاستعمار ، بل الإنتاج والتعاون . وقال إن الأمة ليست شيئاً آخر غير مجتمع صناعة كبير ، والسياسة هي علم الإنتاج الصناعي وكل السياسة تنحصر في الاقتصاد السياسي ، وإن العلاقات بين الدول تحوّلت تقريباً إلى مجرد علاقات مالية . وبسبب سيطرة مجموعة من الشعوب على الإنتاج الصناعي ، فرضوا سيطرتهم وتخلوا عن المبادئ الإنسانية ، وعن روح الحقيقة ، وعن التعاون بين أبناء الإنسانية جمعاء . وعملت حكوماتهم على ترسيخ وزعزعة الفوضى والاضطراب وخلق الصراعات السياسية في نفوس الشعوب الأخرى لكي يبقوا مشاريع مفتوحة للفقر والجوع والخوف . وليس أصرح من التقرير الذي أصدره البنك الدولي بعنوان "مؤشر التنمية العالمية 2007" يقول فيه ، إن معدلات الفقر في العالم واصلت الانخفاض في السنوات الأربع الأولى من القرن الحادي والعشرين . فقد أظهرت تقديرات حديثة في هذا التقرير ، أن نسبة السكان الذين يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد يومياً للفرد ، تراجعت إلى 18,4 في المئة عام 2004 . ومنذ عام 2000 والبلدان النامية تحقق معدل نمو قوي يصل في متوسطه إلى 4,8 في المئة سنوياً في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي ، الأمر الذي أسهم في انخفاض معدلات الفقر انخفاضاً سريعاً في جميع مناطق العالم النامي خلال السنوات القليلة الماضية . ويعزو التقرير سبب انخفاض الفقر في الدول النامية إلى ما يسمّيها الوتيرة السريعة للعولمة خلال العقد الأخير في التجارة والموارد المالية ، والتكنولوجيا ، والأفكار ، والهجرة . فأغلب الدول النامية عرفت اندماجاً أكثر بالأسواق العالمية وخاصة من خلال تخفيض الحواجز التجارية وتكاليف النقل . وما يريد أن يقوله هذا التقرير ، هو أن العولمة خير عميم ليس على الدول الصناعية المتقدمة ، بل على الدول الفقيرة في العالم الثالث ، وهذا يعني أنه على الدول الفقيرة أن تسارع بكل جهد إلى رفع الحواجز الجمركية وتحرير أسواقها وفتح أبوابها أمام الخصخصة لكي توفر العيش الرغيد لمواطنيها . ولا شك أن المرء لا يفاجأ إذا علم أن الإشادة بالعولمة وتوابعها إنما تأتي من البنك الدولي ، فهذا البنك كان وما يزال أداة العولمة ، وهو يمثل عظمة الرأسمالية الغربية ، وسيفها المسلّط على رقاب الفقراء في العالم الثالث الذين ينخدعون بوهم الاسم "البنك الدولي" مع أنه لا يمتّ إلى المنظمة الدولية بصلة ، بل هو مؤسسة ربوية عالمية مهمتها توجيه النصائح الكاذبة لحكومات دول العالم الثالث ، وتقديم القروض ذات الفوائد العالية التي لا تحقق بها أية حكومة تحصل عليها ، أية تنمية لشعبها . فمعظم دول إفريقيا السمراء باتت مرهونة الآن لهذا البنك المرتبط ببنوك الاحتياط الفيدرالي الأمريكية ، وهذه البنوك تعرف كيف تستغل السياسة الخارجية الأمريكية لتحصيل الديون المترتبة على أية حكومة أو دولة. والواقع أن العولمة التي يروّج لها البنك الدولي تخدم مصالح الشركات العابرة للقارات التي هي كلها شركات غربية وأمريكية بالتحديد . وهذه الشركات مرتبطة بمصالح مباشرة مع هذا البنك ومع بنوك الاحتياط ، وترويج هذا البنك للعولمة يهدف إلى تحقيق هيمنة أمريكية وغربية مستمرة على العالم . لكن لا بد من القول ، إن الانفتاح الاقتصادي ليس لعنة تحل على الشعوب ، وخاصة إذا كان وفق ضوابط معيّنة . أما الانفتاح غير المرغوب فيه ، فهو الذي يحدث بلا ضوابط ، بل يتم وفقه تحرير الأسواق ورفع يد الدولة بالكامل عن العملية الاقتصادية التي تُترك بيد الشركات . وإذا كان الانفتاح الكلي يبهر العيون في البداية ، إلاّ أنه يتحول إلى شرّ كبير يحيق بالشعوب المختلفة في النهاية . ذلك أن أي شعب يتألف من شرائح متعددة ، فيه الأغنياء والمتعلمون ، وهناك النساء والأطفال والشيوخ ، وهناك المرضى والمحتاجون إلى رعاية خاصة ، وهناك صغار الكسبة من عمّال وفلاحين وأصحاب مشاريع تجارية صغيرة . ولكي تحقق أية دولة تنمية شاملة في مجتمعها ، ينبغي عليها أن تلحظ في خططها مصالح جميع تلك الشرائح . وقد سارت معظم دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على تحقيق تنمية مستقرة لشعوبها من خلال دعم بعض المواد والخدمات الرئيسية التي تستفيد منها كل الشرائح . وتشكّل مادة الخبز إحدى المواد الرئيسية التي اتفقت الكثير من الدول على دعمها من خلال شراء الحنطة بأسعار مرتفعة ، ومن ثم تقديمها للأفران والمخابز بأسعار منخفضة لتوفير الخبز بسعر يمكن أن يناسب الفقير والغني على السواء . كما أن الخدمات الصحية والتعليمية والمحروقات ، كانت هي الأخرى وما تزال مدعومة في العديد من دول العالم . لكن العولمة التي تركّز على ضرورة ابتعاد الحكومات المختلفة عن الأسواق وتحريرها ، باتت تهدد أمن واستقرار جميع البشر ، لأن كل الدول التي انخرطت بسرعة في العولمة ، شهدت تضخماً كبيراً في اقتصادها ، والسبب في ذلك هو الغلاء الذي نجم عن رفع يد الدولة عن الاقتصاد والكفّ عن دعم المواد الأساسية . ولا شك أن اكتمال عولمة العالم سيؤدي إلى حدوث ثورة اشتراكية وهي الثورة التي تنبأ كارل ماركس بحدوثها عندما تعمُّ الرأسمالية العالم أجمع ، ونحن الآن أصبحنا قريبين من تلك الثورة .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024