إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

صدام وسقوط الحضارات والعلاقة التاريخية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-09-21

إقرأ ايضاً


مسيرة الإنسان الحضارية ، مسيرة طويلة منذ الحضارة اليونانية ، وحتى الحضارة الغربية التي هي معقل الفكر البشري نحو كمال الإدراك الذي اهتدى إلى الظواهر الكونية في نظريات العلم الحديث لكشف بعض ظواهر الكون وقوانينه وطاقاته . من مقتضى القدرة الإلهية أن تنفذ سُنّة الله ، وأن يحكم ناموسه ، وأن تمضي الأمور وفق حكمته وإرادته لتنهي كل حضارة وتموت لتظهر حضارة أخرى . والآن كل الدلائل تشير بعد أزمة القوقاز إلى سقوط الوهم في حدوث انسجام عالمي في ظل هذه الحضارة المعاصرة . واتضح أن مصالح الدول تبقى هي الأهم وأن الحديث عن عالم تحكمه القوانين والأعراف الدولية ليس إلاّ خدعة دبّرتها القوى الكبرى بهدف التحكّم بدول العالم النامي . لكن لماذا انفجرت أزمة القوقاز ؟. الواقع أن هذه الأزمة ليست وليدة الحاضر ، بل تمتد بجذورها إلى لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 . فقد ظهر آنذاك عالم جديد خالٍ من الشيوعية ، وظهرت مجموعة كبيرة من الدول الجديدة في آسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا الشرقية وبحر البلطيق . وظهرت روسيا كدولة منكوبة فقدت صوابها وراحت تتعثّر في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وأصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة وراحت تعمل على جذب تلك الدول الخارجة من رحم الاتحاد السوفيتي ومن نطاق سيطرته إليها ووضعها تحت هيمنتها وفق مسميات مختلفة . ولم تراعِ الولايات المتحدة أي حرمة لدولة كبيرة مثل روسيا ، بل عملت على تهميشها وفرض إرادتها عليها من خلال التوسّل بالسلم العالمي والمجتمع الدولي ، وأنه لا تستقيم الأمور من دون وجود قوة وحيدة ضابطة لكل الدول ، وهذه القوة هي الولايات المتحدة . وكانت روسيا تراقب كل ما يحدث في محيطها الجغرافي ، وتبقى صامتة لترى إلى أي مدى ستصل إليه تلك التحولات الجارية . وبعد مدّة طويلة من الصبر والمراقبة ، أدركت روسيا أن المجتمع الدولي الذي تروّج له الولايات المتحدة لا يعني شيئاً آخر سوى السيادة الأمريكية على العالم. وأن هذا المجتمع يستهدف وجودها ويعمل على تفتيتها إلى دول صغيرة بدعوى أن عهد الدول الكبيرة قد انتهى . وبعد أن وجدت روسيا أنها أصبحت محاصرة بمجموعة من الدول الصغيرة المعادية لها ، والتي كانت حتى الأمس القريب جزءاً من إمبراطوريتها ، قررت الخروج من حالة الصمت إلى إعلان الوجود . وكانت المواجهة بينها وبين جورجيا رسالة صغيرة منها إلى الولايات المتحدة بأنها لا تستطيع أن تحكم العالم بمفردها وأن روسيا كانت وستبقى قوة عظمى . لكن الولايات المتحدة التي أعدّت نفسها للتربّع على عرش العالم إلى النهاية ، وجدت نفسها قد أصبحت أمام عقبة حقيقية لا تستطيع المضي في مشروعها من دون تذليلها . ومن هنا ، ابتدأ الوضوح في السياسة الدولية وسقطت أقنعة العمل الجماعي المشترك والإرادة العالمية الواحدة. وبدأ عهد جديد يقوم على أساس المواجهة بين الولايات المتحدة والدول التابعة لها في العالم من جهة ، وبين روسيا والصين والدول الكارهة للهيمنة الأمريكية من جهة أخرى . وسوف تعيد هذه المواجهة صياغة السياسة الدولية وفق أسس جديد ، حيث ستزداد السياسات السرية والمؤامرات وسيزداد الإنفاق على تنظيم الإنقلابات في هذه الدولة أو تلك ، حتى تصل الأمور إلى مرحلة الصدام العسكري العالمي المفتوح الذي سيؤدي بلا شك إلى انهيار الولايات المتحدة وإلى انتهاء دورها العالمي . وهذا هو حكم التاريخ ، وهذا هو ما تعلمنا إياه تلك الحكمة الإلهية الخفيّة في إدارة هذا العالم منذ الأزل حتى الآن . هذه الحكمة التي تمنع أن تحكم دولة واحدة وأمة واحدة جميع الدول والأمم الأخرى . ومثال على ذلك ، إنه عندما ظهر الإسلام في القرن السابع الميلادي أصبح المسلمون قوة لا تُقهر، فقد استطاعوا تدمير الإمبراطورية الفارسية والوصول إلى الهند والصين وإلى أقصى شمال روسيا . كما أنهم حجّموا الإمبراطورية البيزنطية وفتحوا سوريا ومصر وبلاد المغرب العربي وأجزاء كبيرة من إفريقيا ووصلوا إلى إسبانيا ، لكنهم عجزوا عن فتح أوروبا على الرغم من أنها قريبة من بلادهم . ولو تسنى لهم الدخول إلى أوروبا لكان العالم الآن كله إسلامياً ولكانت اختفت اليهودية والمسيحية وسواهما من الأديان الأخرى الموجودة في الأرض . لكن لحكمة الله الخفية ، فقد امتنعت أوروبا أمام المسلمين ؛ ومن أوروبا تلك بالتحديد ظهرت هذه الحضارة ووصلت إلى ذروتها بالعهد الأمريكي الحالي .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024