إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أطفال أوروبا ومستقبل العالم

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-02-24

إقرأ ايضاً


يسعى الغرب لصياغة وجهة نظر دنيوية شاملة يمكن من خلالها معايشة الحياة الإنسانية وإقصاء الدين والصوت الإيماني من نطاق المجتمع وقلوب الناس بهدف بناء مجتمع قائم على مقولات كليّة عن الحق في مسعى لتجاوز الكنيسة وتشريح الحياة المتمدنة ، فالمعتقدات أصبحت مجرد لوائح في دول الغرب ويتم إحلال التجربة والنزعة العقلية محل الموروثات الدينية . فقد نشر الأوروبيون فكرة مفادها أن العالم يتقدم إلى الأحسن فيما يتعلق بالأفعال والحرية الفردية وليس فيما يتعلق بالثوابت الدينية المتعارف عليها ، وان انعدام الاتفاق بين الحرية الشخصية والحرية الدينية لا يكون ممكناً إلا كنتيجة لتحدد مضار الحرية الشخصية وان الإنسان حرّ في تفسير الحرية الشخصية ، وينبغي في سبيل ذلك أن يضع الفضيلة الأخلاقية غاية الغايات قبل كل شيء ، بمعنى أن التقوى والإيمان لا يجب أن يسموا فوق قانون المجتمع المدني . وقد نشر مركز الإحصاء الفرنسي تقريراً عن المواليد في فرنسا عام 2007 يشير إلى أن عدد الأطفال الذين ولدوا خارج نطاق الزواج تجاوز عدد الأطفال الذين ولدوا لأبوين متزوجين خلال عام 2007 . وتثير نتيجة هذا الإحصاء تساؤلاً عن حجم الدمار الذي لحق بالأسرة في فرنسا وفي الغرب بشكل عام بسبب التحلل من جميع القيود ، ذلك أن الأوروبي الذي يؤمن بالعقل التجريبي ، يرى أن الأخلاق ما هي إلاّ قيود تحدّ من سلطة العقل وقدراته . فمفهوم "الخطيئة " ليس إلاّ مفهوماً مناقضاً لحقائق الطبيعة . فالإنسان في مرحلة ما قبل التاريخ ، كان يعيش حالة من المشاعية الاقتصادية والجنسية ، ومن ثم جاءت الدولة فخلقت طبقة الأسياد وطبقة العبيد أو "العمّال" ، وجاء الدين فقنن العلاقات الجنسية وجعلها في نطاق الزواج ، ونظر إلى العلاقات خارج نطاق الزواج على أنها علاقة غير شرعية . لكن الفعل الجنسي في الزواج وخارج نطاق الزواج هو نفسه لم يتغير ، إنما الذي تغير هو ذلك القيد الذي وضعته الأديان في عقل وروح الإنسان ، وهو قيد نابع من الخوف من العقوبة الأخروية التي أعدّها الله "الرب" للخاطئين . وبعد أن تم تدمير سلطة الكنيسة في أوروبا منذ ظهور الإصلاح الديني على يد المصلح الألماني مارتن لوثر عام 1500 للميلاد ، وحتى قيام الثورة الفرنسية عام 1789 ، تراجع دور الكنيسة كثيراً في حياة المجتمعات الأوروبية ، وأصبحت الحكومات الأوروبية تسير على هدى القوانين الوضعية التي توافق عليها الشعوب ، فتم إلغاء العقوبات التي كانت تفرضها القوانين الكنسية التي كانت سائدة في أوروبا على مرتكبي الخطيئة ، وتم وقف ملاحقتهم ، بل تم تشريع قوانين تحضّ على تأخير الزواج ، وقوانين أخرى تبيح العلاقات غير المشروعة والإجهاض . وشيئاً فشيئاً انتشر التسرّي في أوروبا وتخلى الأوروبي عن الشرف الحريمي "المزعوم" وأصبح شرفه بعمله وإنتاجه ، بل إنه لم يعد يجد غضاضة في أن يأتي شاب غريب ويأخذ ابنته البكر ، لا بل إنه يدفع ابنته نحو هذا الأمر من أجل أن تصبح امرأة حرّة لا يوجد أي حاجز بينها وبين الرجل في أي ميدان من ميادين الحياة . ولعل هذا ما يفسِّر لنا إقدام النساء الأوروبيات على خوض غمار جميع الأعمال التي ما تزال حكراً على الرجال في المجتمعات المحافظة ، كالمجتمعات العربية والإسلامية . ولم تعد الإباحية في أوروبا مقتصرة على العلاقة غير المشروعة بين الرجل والمرأة ، بل اتجهت نحو العلاقة المثلية ، أي الرجل مع الرجل ، والمرأة مع المرأة . وهذه العلاقة باتت تسمى في أوروبا "الزواج المثلي" والمتزوجون وفق هذا الزواج يطالبون اليوم الحكومات الأوروبية أن تفسح المجال أمامهم لكي يعيشوا حياتهم الطبيعية في ظل قوانين راعية لمصالحهم وحافظة لحقوقهم ، وأن يكون لهم الحق في تبني أطفال . وفي مجتمع تنتشر فيه الإباحية بأوسع صورها ، مثل المجتمعات الأوروبية ، فإنه كان من المنطقي أن تقلّ فيه نسبة الأطفال الشرعيين أو المولودين في إطار الزواج المتعارف عليه بين الشعوب . وإذا كانت نسبة الأطفال غير الشرعيين في فرنسا أكثر من نسبة الأطفال الشرعيين ، فإن فرنسا نموذج عن جميع الدول الغربية . ولا شك أن هؤلاء الأطفال غير الشرعيين سيكونون في المستقبل قادة ومسؤولين في الدول الغربية . وبالتالي ، فإنهم سيدفعون أكثر فأكثر نحو نشر الإباحية والفساد الأخلاقي في جميع أنحاء العالم . وإزاء هذا الواقع الإباحي الذي تعيش فيه المجتمعات الغربية ، يبقى السؤال هو ، كيف ينظر العرب والمسلمون إلى تلك التحولات الهائلة التي تحدث في المجتمعات الغربية ، وهل يعتقدون أنها لن تؤثر عليهم ، وما إذا أعدّوا لمواجهة أعاصير الإباحية التي تهبّ بقوة من جهة الغرب ؟. لا شك أن الريح الغربية مهلكة دائماً ، والنبي محمد /عليه الصلاة والسلام/ يقول :"نُصِرتُ بالصبا ، أي /بالريح الشرقية/ ، وأهلكتْ عاد بالدبور أي /بالريح الغربية/ فهل ، يا ترى ، يملك العرب والمسلمون أدوات الدفاع عن وجودهم وعن معتقداتهم ، أم أنهم سيهلكون بالدبور كما أهلكت عاد ؟.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024