إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

استخدام السلاح النووي ومفهوم الحلفاء في السياسة الروسية

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-02-03

إقرأ ايضاً


لا جدال أننا نعيش اليوم على بوابة الظلام في عالم يبدو كل ما فيه صائراً إلى دوائر العبث واللامعقول والخراب بعد سيطرة قطبية واحدة على العالم في أجواء تحكمها روح القوة والقهر والدمار وتجاهل قانون التاريخ القائل إن كل ما يقوم على القوة ، إنما يدوم ما دامت القوة ، وأن القوة التي تدوس الحق بأقدامها ، لا بد أن تسقط كافة منجزاتها الضخمة في ميادين الحياة المادية حتى تبلغ نهايتها ، لأن لكل حقبة تاريخية منظورها ، وإن فهم أية حقبة والتعامل معها يستوجب معرفة المنظور الخاص بها معرفة صحيحة . والتهديد باستخدام السلاح النووي يمكن أن يعرّض الحياة على ظهر كوكبنا هذا للفناء . فعناصر القنبلة الذرية بما لها من طاقة نووية لا تهدد بتدمير ما حققه الإنسان ، بل تهدد بفناء الإنسان نفسه ، فهذا السلاح شبّهه أبو القنبلة الهيدروجينية العالِم الألماني ادوارد تيلر بما يحدث في الشمس من انصهار نووي حين يتحول الهيدروجين إلى هليوم فيؤدي الإشعاع المتولّد عنه إلى حرق كل حياة عضوية وكل كائن حي . وحديث رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال يوري بالويفسكي في كلمة ألقاها في مؤتمر علمي عقد بموسكو يوم السبت 19/1/2008 ، عن أن اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة لحماية سيادة روسيا وحلفائها أمر ضروري ، بما في ذلك إمكانية استخدام السلاح النووي الروسي كإجراء وقائي لحماية سيادة الدولة الروسية ووحدة أراضيها وحلفائها في الحالات المنصوص عليها في الوثائق المذهبية الأساسية الروسية . وهذا التصريح هو الأول من نوعه الذي يعلن فيه مسؤول روسي كبير إمكانية استخدام السلاح الذري ليس لحماية سيادة روسيا فقط ، بل لحماية حلفائها أيضاً . وبهذا الموقف الثابت الذي لا يخلو من توجهات خطيرة ، بل أخطر بكثير من أن يوصف بالخطر ، تكون روسيا قد دخلت بقوة إلى ميدان الصراع العالمي مع الولايات المتحدة وحلفائها . فالقوي هو وحده من يستطيع أن يضمن أمنه وأمن الواقفين إلى جانبه ، ولو لم تكن روسيا تستشعر القوة في نفسها لما كانت أقدمت على موقف تعلم ، قبل غيرها ، خطورته وحجم التحديات التي تواجهه . لكن من هم هؤلاء الحلفاء الذين قد تستخدم روسيا السلاح الذري لحمايتهم ؟. لا شك أن هناك مجموعة من الدول يمكن أن تندرج تحت مسمى حلفاء روسيا، وهي دول الكومنولث التي انبثقت عن الاتحاد السوفيتي السابق، وأيضاً دول أوروبا الشرقية القريبة من الحدود الروسية ، وهناك أيضاً إيران وسوريا والصين . فدول الكومنولث ودول أوروبا الشرقية ما يزال الروس ينظرون إليها باعتبارها إرثاً تاريخياً ورثوه عن أجدادهم القياصرة والشيوعيين ، وإنه وإن مرّت روسيا بظروف قاسية وصعبة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي أجبرتها على تقليص هيمنتها على هذه الدول ، فإنها اليوم قد استعادت قوتها من جديد . ولهذا فمن الواجب عليها أن تعيد هذه الدول إلى فلك سيطرتها ، وهذا يعني إنهاء كل مظاهر وجود الحلف الأطلسي فيها . وهنا تبرز قضية الدرع الصاروخي الذي تعتزم الولايات المتحدة نشره في بولندا وتشيكيا . وهذه القضية لا يعتزم الروس التهاون فيها ، وهم قد يوجهون ضربة استباقية ضدها في حال أصرت الولايات المتحدة على نصبها هناك . لكن إذا كانت روسيا تعمل على إعادة الأولاد العاقين في آسيا الوسطى والقوقاز وأوروبا الشرقية إلى حضن أمهم ، فإنها تعمل في القضايا العالمية الأخرى على منع انفراد الولايات المتحدة بحكم العالم . وتشكّل قضية إيران وسوريا ، أو ما يسمى "محور الممانعة" للمشروع الأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية ، دليلاً على جدية الروس في الوقوف موقفاً استراتيجياً لمنع انزلاق العالم إلى مهوى القطب الواحد . وقد ظهرت قضية هاتين الدولتين في أعقاب احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 ، وبعد أن ظهر المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير في فبراير عام 2004 ، والذي يرمي إلى صياغة المنطقة العربية والإسلامية وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية ، حيث تم خلق قضية دولية لإيران بسبب ما يسمى "البرنامج الذري الإيراني" . كما تم خلق قضية دولية لسوريا بعد مقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في فبراير عام 2005 . وتوالت الضغوط الأمريكية والغربية على هاتين الدولتين لدفعهما إلى الانهيار أو الاستسلام تمهيداً لتقسيمهما وإنهاء ظاهرة المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين . وقد وجدت روسيا في قضية هاتين الدولتين قضيتها الأساسية لتحقيق العدالة على مستوى العالم. فوقفت إلى جانب إيران في مجلس الأمن الدولي ومنعت إصدار قرارات دولية قاسية ضدها ، كما كانت تدافع بشكل دائم عن سلمية البرنامج الذري الإيراني . أما بشأن سوريا ، فإن روسيا أقدمت على إقامة قاعدة عسكرية دائمة لها في ميناء طرطوس السوري ، وهذه القاعدة ستكون مقراً للأسطول الروسي العامل في البحر المتوسط وبحر مرمرة والبحر الأسود. وقد قوي الموقف السوري كثيراً بعد إقامة هذه القاعدة، وبعد أن اتضح للمسؤولين السوريين أنهم ليسوا وحيدين في تلك المواجهة العالمية المفتوحة بين قوى الطغيان والشعوب المستضعفة . وفي شأن الصين ، فإن روسيا قد تقاربت معها مؤخراً في الرؤى والأفكار حول مستقبل العالم . وإذا كانت الصين ليست بحاجة لمن يدافع عنها ، فإن تحالفها مع روسيا سيعزز موقفها العسكري والاقتصادي وسوف يسرّع من تحوّلها إلى قوة عظمى جديدة . وهكذا ، يبدو أن العالم الذي تعمل روسيا على صيانته ، سيكون بحاجة إلى القوة العسكرية القاهرة ، وهذه القوة تملكها روسيا بكل اقتدار . وبهذه القوة ستحمي حلفاءها ، ولاسيما إيران وسوريا ، ولن تسمح للولايات المتحدة بمهاجمتهما ، وإذا فعلت هذه الأخيرة ، فإن روسيا ستدخل طرفاً في أية معركة إلى جانب هاتين الدولتين .

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024